المدينـة وأفضالهـا

الحـب فـي الـمـحـبـوب

القبر النبويالشريف والدعاء

 

المدينـة وأفضالهـا

فضل الله بعض الناس على بعض حيث قال سبحانه ﴿ورفع بعضكم فوق بعض درجات﴾ وفضل بعض الأيام على بعض حيث قال صلوات ربى وسلامه عليه؟إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؟ كما أن لبعض الأماكن مكانة عالية تميزها عن سائر الأرض فمن هذه الأماكن وأعلاها وأشرفها المدينة المنورة فقد ذكر بعض العلماء منهم الإمام السمهودى فى خلاصة الوفا وابن عساكر فى تحفته وعياض وغيرهما أفضلية المدينة المنورة عن سائر الأرض لضمها للأعضاء النبوية الشريفة.

كما ذهب سيدنا عمر بن الخطاب وبعض الصحابة وأكثر المدنيين وكما فى مذهب الإمام مالك وإحدى الروايتين للإمام أحمد إلى تفضيل المدينة المنورة عن سائر المدن والبلاد.

واستند التقى السبكى لكثرة الثواب فيها وان لم يكن فيكفى الروضة الشريفة التى هى موضع تنزل الرحمات والبركات والملائكة والمحبة والاصطفاء لمن جاورها.

وذكر ابن الجوزى عن السيدة عائشة رضى الله عنها: أنه عندما قبض رسول الله اختلف الناس فى موضع دفنه فقال سيدنا على كرم الله وجهه ليس فى الأرض موضع أكرم على الله من مكان قبض فيه نفس حبيبه.

وذكر سيدنا أبو بكر الصديق أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(لا يقبض النبى إلا فى أحب الأماكن إليه) فهذا المكان أحب الأماكن إلى الله ورسوله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما على الأرض بقعة أحب إلى من أن يكون بها قبرى).

كما أن المدينة كانت الأرض التى نزل فيها معظم الفرائض واكتمل فيها الدين وهى المكان الذى كثر فيه تردد الوحى وعندما سئل الإمام مالك رضوان الله عليه أتحب المقامة هنا -أى المدينة- أم غيرها؟ فقال: كيف لا أختار المدينة وليس فيها طريق ما سلكه رسول الله إلا ونزل به الوحى.

وذكر ابن الجوزى فى الوفاء عن كعب الأحبار أن الله عندما أراد أن يخلق سيدنا محمدا أمر جبريل أن يأتى بالقبضة البيضاء التى هى موضع القبر الشريف فعجنت بماء التسنيم وغمست بأنهار الجنة وطاف بها فى السموات والأرض فعرفت الملائكة محمدا قبل أن يخلق آدم.

كما ذكر ابن سيرين وقال: لو أقسمت قسما صادقا بارا غير شاك فيه أن الله ما خلق سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا أبا بكر ولا سيدنا عمر بن الخطاب إلا من طينة واحدة ثم ردهم إلى تلك البقعة.

وقد ورد أن عزرائيل عندما قبض القبضة من الأرض وطئ إبليس الأرض بقدميه فمن التربة التى لم يصل إليها إبليس خلق الأنبياء والأولياء وكانت درة سيدنا رسول الله من تلك البقعة فكانت المدينة.

وعلى هذا فإن العبد إذا قبض دفن فى المكان الذى خلق منه فيكون المكان الذى خلق ودفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاشك أنه أشرف وأعلى مكان ﴿منها خلقناكم وفيها نعيدكم﴾.

كما أن المدينة هى المكان الذى شهد حياته صلى الله عليه وسلم.

وبالنظر للآية الكريمة ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك﴾ فالعبد إذا أخطأ وظلم نفسه أمره الله أن يأتى إلى أفضل مكان يحبه الله عز وجل ثم يدعوه بالمغفرة حتى يتقبل منه ألا وهو الروضة الشريفة بالمدبنة.

وقد جاء رجل إلى أبى سعيد الخدرى فقال له: أريد الخروج من المدينة وشكا له من جهد المدينة وحرها وأسعارها فقال أبو سعيد: ويحك لا آمرك بذلك إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(لا يصبر ولا يثبت أحد على جهد المدينة وحرها إلا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة).

كما أنه لمن مات بها مزية كبرى فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من مات بالمدينة كنت له شفيعا يوم القيامة) كما قال صلى الله عليه وسلم(من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإنى أشفع لمن يموت بها) وفى رواية آخرى(وإنى أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتى أهل البقيع فيحشرون معى ثم أنتظر أهل مكة حتى أحشر بين الحرمين) ثم قال صلى الله عليه وسلم(أول من أشفع له من أمتى أهل المدينة ثم أهل مكة ثم الطائف).

وذكر الطبرانى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم(من كان له بالمدينة أصل فليتمسك به ومن لم يكن له بها أصل فليجعل له بها أصلا فليأتين على الناس زمان يكون الذى ليس له بها أصل كالخارج منها المجتاز إلى غيرها) وفى رواية(فليجعل له بها أصلا ولو قصرة أى شجرة).

كما أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حيث قال(المدينة كالكير تنفى خبثها لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد) وقيل أن الخبث هم المنافقون الذين سيخرجون من المدينة عند ظهور المسيخ الدجال وأتباعه وسمى ذلك يوم التخليص يوم تنفى فيه المدينة خبثها.

ومما اختص الله به المدينة ما جاء به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى حديثه(لا يكيد أهل المدينة أحد إلا إنماع كما ينماع الملح فى الماء) وفى رواية أخرى قال(لا يريد أحد أهل المدينة بسوءٍ إلا أذابه الله فى النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح فى الماء).

وفى الأوسط للطبرانى برجال الصحيح حديث(اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل) أى الفرض والنافلة كما رواه النسائى وابن حيان والإمام أحمد.

ولابن النجار عن معقل بن يسار المزنى مرفوعا(المدينة مهاجرى فيها مضجعى وفيها مبعثى حقيق على أمتى حفظ جيرانى ما اجتنبوا الكبائر ومن حفظهم كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ومن لم يحفظهم سقى من طينة الخبال) قيل للمزنى وما طينة الخبال قال عصارة أهل النار رواه الطبرانى.

وسئل الإمام أحمد بن حنبل أين ترى أحب إليك أن يسكن الرجل مكة أم المدينة( قال: المدينة لمن صبر عليـها وقوى عليها، فقيل له: لِم؟ قال: لأن بها خير المسـلمين).

ومما ذكر تجد أن هذه البقعة المنورة التى سميت بالمدينة أنها كانت ومازالت أفضل بقاع الأرض حيث ذهب بعض العلماء على أن أفضلية المدينة تفوق أفضلية مكة ست مرات مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم(اللهم اجعل للمدينة ضعف ما جعلته لمكة) قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فى كل مرة للمدينة ضعف فيكون الفضل أعظم ست مرات.

هانى حسن

الحـب فـي الـمـحـبـوب

التحاب فى الله والأخوة فى الله من أفضل القربات فعليها تتألف القلوب والأرواح، فالمحبة فى الله تتميز عن المحبة فى الدنيا، فقد تكون محبة الدنيا معتمدة على الجوار أو الاجتماع فى مدرسة أو مكتبة أو سوق أو فى الأسفار وذلك ناتج عن المجالسة أو المخالطة أو المجاورة وفى هذه العناصر لا يقصد بها الشخص غيره إلا إذا أحبه أو لنيل غرض شخصى وقد يكون هذا الغرض مقصورا على أمور الدنيا أو متعلقا بالآخرة.

فحب الدنيا أو الحب فى الدنيا هو حب ظاهرى بكل أشكاله، لكن الحب فى الله هو نابع من ائتلاف القلوب على طاعة الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن الظن بالله وحسن الخلق ورجاحة العقل فى التفكير فى أمور الآخرة والتعاون بين القلب والعقل على طاعة الله وطرق المحبة فى الله، وبالتالى فإن شبيه الشئ ينجذب إليه بالطبع والأشباه الباطنة خفية، ليس فى قوة عوام الناس الاطلاع عليها، ولذلك فسر وعبر وأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) رواه البخارى ومسلم.

والحق فى ذلك أن المشاهدة والتجربة تشهد الائتلاف، فالطباع والأخلاق واحدة ظاهرا وباطنا وقال الشاعر:

وقائل كيـف تفارقتمـا ��� فقلت قولا فيه إنصـــاف

لم يك من شكلى ففارقته ���والنـاس أشكـــال والاف

والحب فى الله قد يكون لغرض، أى قد يكون وسيلة لحب غير الوسيلة وهو المحبوب جل جلاله، وبذلك تكون الوسيلة محبوبة بحب المحبوب، لذلك أحب الناس الذهب لأنه وسيلة إلى المحبوبات وهو لا يطعم ولا يلبس.

ولنا شرح عملى فى أولياء الله فى تفسير حديث الأرواح وذلك أنه حكى الإمام الجنيد رحمه الله فقال:

سافرت إلى بيت الله الحرام فبينما أنا فى الطريق وإذا بصوت محزون من كبد مخزون فبادرت إليه وسلمت فقال: وعليك السلام يا جنيد.

فقلت له: يا حبيبى ومن أعلمك باسمى؟

فقال: التقت روحى وروحك فى الملكوت فأعلمنى باسمك الحى الذى لا يموت، ثم قال: يا جنيد إذا مت فغسلنى وكفنى فى ثيابى هذه واطلع على هذه الرابية وناد للصلاة على الغريب يرحمكم الله، قال: وإذا بالشاب قد عرق جبينه واشتد به الأنين، فقال: بالله عليك إذا أنت قضيت حجك ورجعت فارجع إلى بغداد واسأل عن درب الزعفرانى واسأل عن أمى وعن ولدى وقل لهم الغريب يقرئكم السلام لا إلى بيته وصل ولا معكما تركه وإذا أنا بالشاب قد فارق الدنيا رحمه الله.

قال: فغسلته وكفنته وطلعت الرابية وناديت الصلاة على الغريب يرحمكم الله، وإذا بجماعة قد أقبلوا من كل فج عميق فصلينا عليه وواريناه التراب، فلما قضيت حجى رجعت إلى بغداد وسألت عن درب الزعفرانى فأرشدت إليه وإذا بصبيان يلعبون فنهض من بينهم صبى وقال لى يا عماه لعلك أنت الذى أتيت تخبرنا بموت والدى؟

قال الجنيد: فتعجبت من كلام الصبى، وأخذ بيدى وأتى بى إلى الدار فطرقت الباب فخرجت إلىَّ عجوز وقالت: يا جنيد أين مات ولدى؟ لعله مات بعرفة؟

فقلت لها: لا.

قالت: لعله مات بالبادية تحت شجرة أم غيلان.

فقلت لها: نعم.

فقالت: يا ولداه لا إلى بيته أوصله ولا معنا تركه.

هاني مصطفى البرى

القبر النبويالشريف والدعاء

ذكر العلماء رضى الله عنهم أنه يستحب لمن زار النبى صلى الله عليه وسلم أن يقف للدعاء، فيسأل الله تعالى ما يشاء من الخير والفضل ولا يلزمه أن يتوجه إلى القبلة ولا يكون فى وقوفه ذلك مبتدعا أو ضالا أو مشركا، ونص العلماء على هذا الأمر بل نص بعضهم بالاستحباب.

والأصل فى ذلك الاستحباب هو ما جاء عن الإمام مالك بن أنس وأبو جعفر المنصور فى المسجد النبوى، فقال له الإمام مالك: يا أمير المؤمنين: لا ترفع صوتك فى هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال ﴿لاترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى﴾ وقد مدح قوما فقال ﴿إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله﴾ وذم قوما فقال ﴿إن الذين ينادونك﴾ وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله: أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقال الإمام مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم﴾.

وهذه القصة رواها القاضى عياض بسنده فى كتابه المعروف بالشفاء فى التعريف بحقوق المصطفى فى باب من أبواب الزيارة، وقد صرح كثير من العلماء بهذا.

عبد الستار الفقى