عـلـم
الـحـديــث
الحمد لله الذي نزل أحسن الحديث كتاباً،
والصلاة والسلام على من جاء ببيان ما نزل إليه سكوتا وفعلا وخطابا، وعلى آله ناقلي
أخباره، ومدوني أحاديثه وآثاره، أما بعد: فإن العلم الذي لا بد منه لكل قاصد، ولا
يستغني عن طلبه عالم ولا عابد، علم الحديث والسنة، وما شرعه الرسول - صلى الله عليه
وسلم - لأمته وسنه.
وهو من
العلوم
الأخروية،
والنجاة لمن
تمسك به من كل
بلية،
والعصمة لمن
التجأ إليه،
والهدى لمن
استهدى به
وعول عليه،
وأهله حفاظ
الشريعة من
الأعداء،
وحراسها ممن
يريد التمرد
والشقاء،
ولولاهم
لاضمحل
الدين، وكان
عرضة لتلاعب
المتمردين
وهم عدول هذه
الأمة،
والكاشفون
عنها كل غمة،
وخلفاء النبي -
عليه السلام - وأهله
الخاصون به من
الأنام،
وكفاهم شرفا،
أنهم أكثر
الناس صلاة
على حبيبه
المصطفى، صلى الله
عليه وسلم،
وقد اشتهروا
بطول
الأعمار، والتجربة
مصدقة لذلك في
سائر
الإعصار،
ودعا لهم
النبي بالرحمة
والنضارة،
وبشرهم
بالجنة التي
هي أجل بشارة،
وقيل فيهم: أنهم
من أكثر الناس
خيرا ومالا،
وأوفرهم رزقا
حلالا، وقد
قيل: وهو لأبي
إسحاق
إبراهيم بن
عبد القادر
الرياحي
التونسي:
أهل الحديث طويلة أعمارهم ووجوههم بدعاء النبي
منضرة، وسمعت من بعض المشايخ أنهم أرزاقهم أيضا بـه متكثره، وأنهم ممن يستدفع بهم
البلاء، وأقرب الناس منزلة يوم القيامة من خير الأنبياء وسيد الشفعاء، وأنهم هم
العلماء على الحقيقة والتمام، ولا يدعى باسم العالم غيرهم يوم القيامة، وقيل: من
علامات محبته عليه السلام، العكوف على ذكره وسماع حديثه في الارتحال والمقام.
وقد وضعت فيه وفيما يتعلق به الدواوين
الكثيرة، والمؤلفات الصغيرة والكبيرة، وهي من كثرتها لا تعد ولا تحصر، ولا يمكن أن
يحصيها محص ولو أكثر، والمقصود في هذه الرسالة المستطرفة: بيان المشهور وما تشتد
إليه الحاجة منها، ليكون الطالب منه على كمال البصيرة والمعرفة، وتتميم الفائدة
بنسبة كل كتاب لمؤلفه، وذكر وفاة جامعه ومصنفه، والله أسأل العون والقبول، ونيل
المنى والوطر والسول، بمنه آمين.
�تعريف
علم الحديث
اعلم أن علم الحديث لدى من يقول: إنه أعم من
السنة، هو: العلم المشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى
صحابي أو إلى من دونه من الأقوال والأفعال، والتقارير والأحوال، والسير والأيام،
حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام، وأسانيد ذلك وروايته وضبطه وتحرير ألفاظه
وشرح معانيه.
وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين لا
يكتبون الحديث، ولكنهم يؤدونه لفظا ويأخذونه حفظا إلا كتاب الصدقة، وشيئا يسيرا يقف
عليه الباحث بعد الاستقصاء، حتى خيف عليه الدروس وأسرع في العلماء الموت، فكتب عمر
بن عبد العزيز إلى عامله على المدينة أبي بكر بن محمد بن عمـرو بن حزم الأنصاري
التابعي: انظر ما كان عندك، أي: في بلدك من سنة أو حديث فاكتبه، فإني خفت دروس
العلم وذهاب العـلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وليفشوا
العلم وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا، فتوفي عمر بن
عبد العزيز قبل أن يبعث إليه أبو بكر بما كتبه.
وكان عمر قد كتب بمثل ذلك أيضا إلى أهل
الآفاق، وأمرهم بالنظر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه، وأول من دونه
بأمره، وذلك على رأس المائة الأولى: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله
بن شهاب الزهري المدني، ففي الحلية عن سليمان بن داود قال: أول من دون العلم ابن
شهاب، وعن ابن شهاب قال: لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني، ثم كثر بعد ذلك التدوين
ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد.
أبوجعفر
الكتاني
ولي نظم
در
التقديم
والتأخير
الحمد
لله المقدم
المؤخر مانح
كل فخر مانع كل
ضر من به كل
مخبر أخبر
ومنه كل مضمر
أسر، الظاهر
في كل مبنى
والباطن في كل
معنى، بجلاله
كل مبتلي صبر
وبجماله كل
مُنعّم شكر،
ما منع نعمته
كفر خلقه وما
حجبت معاصيهم
أنوار رحمته، أرسل
بها حبيبه
ومصطفاه
وبالصلاة
والتسليم وافاه
ووفاه، والآل
والصحب ومن
والاه، الرؤف
الرحيم لمن
اتبع هداه
والكريم
الحليم لمن
عاداه وبعد
فإن من
الأساليب
الجمالية في
الكلام من نثر
وشعر التقديم
والتأخير فقد
يقصد به
التنبيه
لعظمة ماتم
تأخيره من
الكلام ولكن
القراءة
العابرة قد
تفسد المعنى
لمن لايفقه
فيكون المعنى
على النقيض
ونحن الآن
أمام بيت من
الأبيات قد
حبكت فيه صنعة
الكلام وضل
فيه العوام
ولكن صاحب
الدر المنظوم
أراد تعمية الفهوم
لكي لايفهم
منه التفاخر
مع انه أصل
للمفاخر
فيقول للشارد
والضال هلم
إلى طريق الرجال
لفخر
الدين يامن قد
أضاعوا سخي
الكف يأبى أن
يضن
ويفهم
من البيت
السابق أنه
كلام سيدي أبو
الحسن
الشاذلي رضي
الله عنه إذ
يقول فيه : يقول
الشاذلي أي أن
هذا البيت
منسوب إلى
سيدي أبو
الحسن
الشاذلي،
وتعالى إلى ما
قاله الناس في
مفهومهم
اللغوي الأول
فالبعض يقول
أن سيدي ابو
الحسن ينبه
أحباب سيدي
فخر الدين
الذين أضاعوه
أن يلحقوا
بركبه وهو
كريم العطاء
لن يؤاخذهم
بما فعلوا
وهذا كلام
جميل في الظن
الجميل بسيدي
فخر الدين
ولكن لو اخذ
الكلام على
هذا المحمل
لفقد جمالية
نظم الدر ولصار
شعرا أو رجزا
ارتجزه
القائل ليثبت
لنفسه معالي
الكرم ويبكي
على قومه
الذين ضيعوه،
ولكن تعالوا
بنا إلى أروع
ما كتب
تقديـما وتأخير
فنقدم ما تأخر
ونأخر ماتقدم
فنقول نفس الكلام
منثورا
لنستبين نضم
دره وهو
القائل:
وإذا
نظمت فناظم��������������� قولي
بنظم الناثر
يامن قد
أضاعوا لفخر
الدين سخي
الكف يأبى أن
يضن، أي أنه
إعلان ونداء
لكل من أضاع
زمنه أو عمره
والباقي منه
لايكفيه أن
يلحق بركب الرجال
فعليه بفخر
الدين الذي
يكيل بكف سخي
يأبى المنع
ولايعرف إلا
سخي العطاء،
هذا ماللبيت
من جمال غير
أن له معنى
صوفيا أجمل
ولكنا للقول
نوجز ونجمل
وصلى الله
الكامل على
حبيبه المكمل
والآل والصحب
ومن في الركب
مجمل
فتى
الوادي
المعرفة
بالله
جاء فى تفسير قوله تعالى ﴿وما قدروا الله حق
قدره﴾ أى وما عرفوا الله حق معرفته، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها أن
النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن دعامة البيت أساسه ودعامة الدين المعرفة
بالله تعالى واليقين والعقل القامع، فقلت: بأبى أنت وأمى ما العقل القامع؟ قال صلى
الله عليه وآله وسلم: الكف عن معاصى الله والحرص على طاعة الله عز وجل).
والمعرفة صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه
وصفاته ثم صدق الله تعالى فى معاملاته ثم تنقى عن أخلاقه الرديئة وآفاته ثم طال
بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه وانقطعت عنه هواجس نفسه ولم يصـغ بقلبه إلى خاطر
يدعوه إلى غيره، فإذا صار من الخلق أجنبيا ومن آفات نفسه بريا ومن المساكنات
والملاحظات نقيا ودام فى السر مع الله مناجاته وحق فى كل لحظة إليه رجوعه وصار
محدثا من قبل الحق سبحانه بتعريف أسراره فيما يجريه من تصاريف أقداره، يسمى عند ذلك
عارفا وتسمى حالته معرفة وفى الجملة فبمقدار أجنبيته عن نفسه تحصل معرفته بربه عز
وجل.
وقالوا: من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة
من الله تعالى، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته، والمعرفة توجب السكينة فى القلب
كما أن العلم يوجب السكون.
وسئل الشبلى عن المعرفة فقال: أولها الله
تعالى وآخرها مالا نهاية له.
وقال الشبلى: العارف لا يكون لغيره لاحظا ولا
بكلام غيره لافظا ولا يرى لنفسه غير الله تعالى حافظا.
وقال أبو يزيد: للخلق أحوال ولا حال لعارف
لأنه محيت رسومه وفنيت هويته بهوية غيره وغيبت آثاره بآثار غيره.
وقال ذو النون المصرى: معاشرة العارف كمعاشرة
الله تعالى يحتملك ويحمل عنك، تخلقا بأخلاق الله عز وجل.
وقال أيضا: أعرف الناس بالله تعالى أشدهم
تحيراً فيه.
وقيل لذى النون المصرى بم عرفت ربك؟ قال:
عرفـت ربى بربى ولولا ربى لما عرفت ربى.
وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفاً حتى يكون
كالأرض يطؤه البر والفاجر وكالسحاب يظل كل شئ وكالمطر يسقى ما يحب وما لا يحب.
وقال ابن عطاء: المعرفة على ثلاثة أركان
الهيبة والحياء والأنس.
وقال بعضهم: من عرف الله تعالى تبرم بالبقاء
وضاقت عليه الدنيا
بسعتها.
وقيل: من عرف الله تعالى صفا له العيش وطابت
له الحياة وهابه كل شئ وذهب عنه خوف المخلوقين وأنس بالله تعالى.
وقيل: المعرفة توجب الحياء والتعظيم كما أن
التوحيد يوجب الرضا والتسليم.
وقيل: المعرفة للعارف مرآة إذا نظر فيها تجلى
له مولاه.
وقالوا: المعرفة غايتها شيئان الدهش والحيرة.
وقيل: إن العالم يقتدى به والعارف يهتدى به.
وسئل أحدهم عن صفة العارف فقال: هو الذى لا
يكدره شئ ويصفو به كل شئ.
�وقال ذو النون: علامة العارف ثلاثة، لا يطفئ نور
معرفته نور ورعه، ولا يعتقد باطنا فى العلم ينقض عليه ظاهرا من الحكم، ولا تحمله
كثرة نعم الله عز وجل عليه على هتك أستار محارم الله تعالى.
وقالوا: المعرفة تأتى من غير الجود وبذل
المجهود.
أحمد
نور الدين
عباس
|