تساؤلات واعتراضات حول المراقبة

بالحقائق ناطقين

نصيحة صوفية لطالب العلم

 

تساؤلات واعتراضات حول المراقبة

قال قائل: من أين لكم استحضار صورة رجل في الذهن ولو كان من الصالحين تحصل به هذه المطالب كلها؟ وإن استحضاركم بسبب تعلق القلب؟ وإنه جائز؟ قلت: وهل مراقبة الشيخ أثناء الذكر ليست بشرك؟ والجواب عن هذا من وجوه:الأول: قولك من أين لكم أن استحضار صورة رجل في الذهن تحصل به هذه المطالب كلها؟ أقول: قال تعالى ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ الحج الآية،46 ألا ترى أنك إذا كبرت تكبيرة الإحرام اشتغلت برابطة التاجر الذي يعطيك زكاة أو صدقة أو برابطة الحاكم أو الوزير الذي يعدك بمنصب أو عطية، أو برابطة أهلك ومالك، أو بكل في الركعة أو السجدة، وتنسى من أنت واقف بين يديه، ولا تستحي منه، وتنسى نفسك وتخرج من الصلاة ولا تدري أي شئ قلت، أتنكر ذلك؟ ما أراك تجحد ذلك: ومن المعلوم أن زوال الغفلة لا يكون إلا بنزول رحمة الله تعالى على عبده، ومن أسباب نزول الرحمة ذكر الصالحين. قال سفيان بن عيينة عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، وذكرهم من لوازم محبتهم، ومحبتهم فرض لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله فقد استكمل الإيمان) رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد والترمذي ومحبتهم محبة لله لقوله صلى الله عليه وسلم: حاكياً عن الله تعالى: حقّت محبتي على المتحابين فيّ والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فـيّ، والمتصادقين فـيَّ وعداوتهم محاربة لله تعالى لقوله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (من عادى لي ولياً فقد أذنته بالحرب). رواه البخاري. وقال الشيخ صاحب الرسالة أيضاً وهو يتكلم عن رابطة (أي مراقبة) المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهميتها؟ ونفع السالك في طريق الوصول إلى مراقبة الله عزل وجل ونفي ما سواه.

واعلم أيها الأخ في الله ألهمك الله رشدك أن رابطة الشيخ الكامل توصلك إلى رابطة مراقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من أجلّ النعم وأوفر القسم، ﴿وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم﴾ فصلت 53والفناء في النبي صلى الله عليه وسلم موجب للولوج في حضرة القدس، والهيجان في مفاوز الأنس، والتعرض لنفحات الله تعالى مأمور به، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض.

وروى عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. أخرجه البخاري،ومسلم،والنسائي. والنفس تدخل في عموم قوله: والناس أجمعين.وقد وقع التنصيص بذكرالنفس في حديث عبد الله بن هشام وهو أن عمر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال عمر رضي الله عنه: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر أخرجه البخاري، وأحمد. ويكفيك قوله تعالى: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ سورة الأحزاب.6 فمن هو أولى بك من نفسك، فكيف لا ينبغى أن يكون أحب إليك منها؟ قال سهل رضى الله عنه: (من لم ير ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جميع أحواله وير نفسه فى ملكه لا يذوق حلاوة سنته)

لولا الحب ما كانت المتابعة والنظر والتخيل والمراقبة:

والله ما طلعت شمس ولا غـربت�     إلا وذكرك مقروناً بأنفــاسـي

ولا جلسـت إلى قوم أحدثـهــم���  إلا وكنت حديثي بين جُـلاّسـي

ولا هممت بشرب الماء من عطش�����إلا رأيت خيالاً منك في الكـاس

مالي وللناس إذ يرمونني سفهــا      ديني لنفسي ودين الناس للناس

وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أشد أمتى لى حباً ناس يكونون بعدى، يود أحدهم لو رأنى بأهله وماله) الشفا للقاضى عياض.

وفى كتاب (الشفا) سئل على رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظم. الشفا للقاضى عياض. وعن زيد بن أسلم رضي الله عنه: خرج عمر رضي الله عنه ليلة يحرس، فرأى مصباحاً فى بيت عجوز تنفش صوفاً وتقول:

على محمد صلاة الأبــرار �� صلى عليه الطيبون الأخيار

قد كنت قواماً بكا بالأسحار ���� يا ليت شعرى والمنايا أطوار

هل تجمعنى وحبيبى الدار

فجلس عمر رضي الله عنه يبكى. الشفا للقاضى عياض، وروى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه خدرت رجله فقيل له: أذكر أحب الناس إليك يزل منك فصاح: (يا محمداه) فانتشرت الشفا للقاضى عياض قال: وأعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً فى حبه، وكان مدعياً فالصادق فى حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامات ذلك عليه.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لى رسول الله (يا بنى إن قدرت أن تصبح وتمسى ليس فى قلبك غش لأحد فافعل). ثم قال لى: (يا بنى وذلك من سنتى ومن أحيا سنتى فقد أحبنى ومن أحبنى كان معى فى الجنة) أخرجه الترمذى.

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا وكذلك كثير من التابعين.

أحمد عبد المالك

بالحقائق ناطقين

التحقق باللمس

كان أسيد بن حضير رضي الله عنه رجلاً صالحاً ضاحكاً مليحاً، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم ويضحكهم طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خاصرته، فقال: أوجعتنى، فقال صلى الله عليه وسلم: اقتصَّ. قال: يا رسول الله إن عليك قميصاً وليس على قميص. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، فاحتضنه فجعل يُقبل كشحه، فقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله أردت هذا، وروى ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر وفى يده قِدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غُزيَّة رضي الله عنه حليف عدى بن النجار وهو خارج عن الصف فطعنه فى بطنه بالقدح وقال: استو يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتنى وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى! فكشف رسول الله عن بطنه فقال: استقد، قال: فأكبَّ على بطنه يقبلها، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير. إنما بدأت حديثي بهاتين القصتين لأقول أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكتفوا بالإيمان القلبي وتأدية العبادات طاعة لله بل أرادوا أن يتخذوا من حقيقة الحبيب الجسدية تحققا تشهده وتستدل به حواسهم على صدق تواجدهم مع الحبيب في زمن واحد وهذا ماتعنيه كلمة التبرك وإقرار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لتلك الحادثتين إنما يعني أن التبرك سنة عنه وعن أصحابه، وتأكيدا لصحة ذلك المعنى أن سيدنا عمر بن الخطاب كان لايلقى سيدنا أنس بن مالك فلايدعه حتى يقبل يده ويقول يد مست جسد رسول الله، وبعد كل هذا يدعي البعض أن التبرك بدعة.

هاديه الشلالي

نصيحة صوفية لطالب العلم

كان سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى يقول لا يبلغ الرجل عندنا مقام الكمال حتى يعرف يقينا ما كان من كلام الشارع وما كان من كلام الصحابة وما كان من القياس وما كان رأيا خارجا عن موافقة ما ذكرناه قال: ومثل هذا الرأي هو الذي يرمي به وليس لأحد أن يعمل به قال فكل من لم يبلغ مرتبة التبحر في علوم الشريعة ومعرفة أدلة المذاهب فمن لازمه الوقوع في التدين بالآراء التي لا يكاد يشهد لها كتاب ولا سنة، فتبحر يا أخي في علوم الشريعة وأعط الجد من نفسك في المطالعة والحفظ لآحاديث الشريعة وكتب شراحها وحفظ مقالاتهم، حتى تكون عارفا بجميع المذاهب، لأنها بعينها هي مجموع الشريعة المطهرة، وربما تدين مقلد في مذهب بقول إمامه من طريق الرأي فصحت الأحاديث في مذهب آخر بضد ذلك الرأي، فوقف مع مذهبه ففاته العمل بالأحاديث الصحيحة فأخطأ طريق السنة، قال وقول بعض المقلدين لولا أن رأى إمامي دليلا ما قال به جحود وقصور مع أن نفس إمامه قد تبرأ من العمل بالرأي ونهى غيره عن إتباعه عليه،

وسيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: يحتاج من يريد التقيد على العمل بالكتاب والسنة ويجتنب العمل بالرأي إلى التبحر في علم العربية وعلم المعاني والبيان والتبحر في لغة العرب حتى يعرف مواطن طرق الاستنباط، ويعرف أقوال العرب ومجازاتها واستعاراتها ويعرف ما يقبل التأويل من الأدلة وما لا يقبلها أهل السنة المحمدية وكتب علمائها وكتب الأصوليين ورسائل الصوفية ولو سلكت الطريق على يد شيخ خوفا من أن يزل لسانك بشيء من علوم الدائرة الباطنة فينكره عليك العلماء فيقل نفعك للناس بخلاف ما إذا عرفت سياج العلماء فتصير تخرج لهم من العلوم، ما يقبلونه وتكتم عنهم ما لا يقبلونه فإن رد العلماء على الصوفية إنما هو لدقة مدارك الصوفية عليهم لا غير، فلا يلزم من الرد عليهم فساد قولهم في نفس الأمر كما قال الغزالي رضي الله عنه: كنا ننكر على القوم أمورا حتى وجدنا الحق معهم قال تعالى: ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله﴾ وقال تعالى: ﴿وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم﴾، ومما يؤكد كلام الغزالي رحمه الله قول الإمام أبي قاسم الجنيد رحمه الله: كان عندي وقفة في قولهم يبلغ الذاكر في الذكر إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لم يحس، إلى أن وجدنا الأمر كما قالوا، فعلم أن النفوس لم تزل تحتج وتميل في العمل إلى ما عليه الأكثر بحكم التقليد، وتقدم العمل به لكثرة العاملين به بخلاف ما عليه البعض، فإنه كالطريق التي سالكها قليل فلا يجد السالك فيها من يستأنس به في العمل فتصير عنده وحشة فتأمل، وسيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: يحكي عن سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه أنه كان يقول: لا يكمل الرجل عندنا حتى يعلم حكمة كل حرف تكرر في القرآن، ويخرج منه سائر الأحكام الشرعية إذا شاء، وسمعته رضي الله عنه يقول: لا يبلغ العبد مقام الكمال حتى يكون إماما في التفسير والفقه والحديث، ويسلك الطريق على يد شيخ عارف بالله تعالى حتى يصير يعرف الطريق بالذوق لا بالوصف والسماع.

وهناك يدخل الحضرات المحمدية ويعرف أحكام الشريعة المطهرة، ويميزها من سائر البدع لأن الكامل من شرطه أن لا يكون له حركة ولا سكون في ليل أو نهار إلا على الميزان الشرعي، وأيضا يقول: كان الأشياخ المتقدمون يقولون: لا يجوز لعبد أن يتصدر للطريق إلا إن علم من نفسه التقيد على الكتاب والسنة، ويكون ظاهره محفوظا من سائر البدع، وذلك لئلا يقع في شيء من البدع فيتبعه المريدون عليه فيضل في نفسه ويضل غيره، ويكتب من أئمة الضلال وقد بسطنا الكلام على ذم الرأي في أوائل كتابنا مختصر السنن الكبرى للبيهقي رحمه الله فراجعه، وقال سيدي عليا النبتيتي رضي الله عنه لفقيه: إياك يا ولدي أن تعمل برأي رأيته مخالفا لما صح في الأحاديث، وتقول هذا مذهب إمامي، فإن الأئمة كلهم قد تبرؤا من أقوالهم إذا خالفت صريح السنة، وأنت مقلد لأحدهم بلا شك، فما لك لا تقلدهم في هذا القول وتعمل بالدليل كما تقول بقول إمامك الاحتمال، أن يكون له دليل لم تطلع أنت عليه، وذلك حتى لا تعطل العمل بواحد منهما، ثم إن المراد بالرأي المذموم حيث أطلق في كلام أهل السنة أن لا يوافق قواعد الشريعة وليس المراد به كل ما زاد على صريح السنة مطلقا، حتى يشمل ما شهدت له قواعد الشريعة وأدلتها، فإن ذلك لا يقول به عاقل ويلزم منه رد جميع أقوال المجتهدين التي لم تصرح بها الشريعة ولا قائل بذلك.

من أقوال الإمام الشعراني
جمع وترتيب ريم أحمد