كان لا يرد سائلا

سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى، كان أميرا، شريفا، جوادا، ممدحا، حليما، وقورا، ذا حزم وعقل، يصلح للخلافة، تولى إمارة المدينة غير مرة لمعاوية، وقد تولى أمر الكوفة لعثمان بن عفان وقد اعتزل الفتنة -فأحسن- ولم يقاتل مع معاوية، ولما صفا الأمر لمعاوية، وفد إليه سعيد، فاحترمه، وأجازه بمال جزيل ولما كان على الكوفة، غزا طبرستان، فافتتحها وفيه يقول الفرزدق:

ترى الغر الجحاجح من قريش      إذا ما الأمر ذو الحدثان عـالا

قياما ينظرون إلـى سعيــد       كأنهـم يـرون بـه هــلالا

ذكر مصعب بن عمار بن مصعب بن عروة بن الزبير: أن سعيد بن العاص لما حضرته الوفاة وهو فى قصره، قال له ابنه عمرو: لو نزلت إلى المدينة فقال: يا بنى، إن قومى لن يضنوا على بأن يحملونى على رقابهم ساعة من نهار، وإذا أنا مت فآذنهم، فإذا واريتنى فانطلق إلى معاوية فانعنى له، وانظر فى دينى، واعلم أنه سيعرض عليك قضاءه فلا تفعل، واعرض عليه قصرى هذا، فإنى إنما اتخذته نزهة وليس بمال، فلما مات آذن به الناس، فحملوه من قصره حتى دفن بالبقيع، ورواحل عمرو بن سعيد مناخة، فعزاه الناس على قبره وودعوه، فكان هو أول من نعاه لمعاوية، فتوجع له وترحم عليه، ثم قال: هل ترك دينا قال: نعم. قال: كم هو قال: ثلاثمائة ألف درهم، قال: هى علىَّ، قال: قد ظن ذلك وأمرنى ألا أقبله منك، وأن أعرض عليك بعض ماله فتبتاعه فيكون قضاء دينه منه. قال: فاعرض على، قال: قصره بالعرصة، قال: قد أخذته بدينه. قال: هو لك على أن تحملها إلى المدينة وتجعلها بالوافية، قال: نعم، فحملها له إلى المدينة وفرقها فى غرمائه، وكان أكثرها عدات، فأتاه شاب من قريش بصك فيه عشرون ألف درهم بشهادة سعيد على نفسه وشهادة مولى له عليه، فأرسل إلى المولى فأقرأه الصك، فلما قرأه بكى وقال: نعم هذا خطه وهذه شهادتى عليه، فقال له عمرو: من أين يكون لهذا الفتى عليه عشرون ألف درهم وإنما هو صعلوك من صعاليك قريش قال: أخبرك عنه، مر سعيد بعد عزله، فاعترض له هذا الفتى ومشى معه حتى صار إلى منزله، فوقف له سعيد فقال: ألك حاجة قال: لا، إلا أنى رأيتك تمشى وحدك فأحببت أن أصل جناحك، فقال لى: ائتنى بصحيفة، فأتيته بهذه، فكتب له على نفسه هذا الدين وقال: إنك لم تصادف عندنا شيئا فخذ هذا، فإذا جاءنا شئ فائتنا، فقال عمرو: لا جرم والله لا يأخذها إلا بالوافية، أعطيه إياها، فدفع إليه عشرين ألف درهم وافية.

عن أحمد بن عبد العزيز الجوهرى، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الصلت بن مسعود، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا هارون المدائنى قال: كان الرجل يأتى سعيد بن العاص يسأله فلا يكون عنده، فيقول: ما عندى، ولكن أكتب على به، فيكتب عليه كتابا، فيقول: ترونى أخذت منه ثمن هذا لا، ولكنه يجئ فيسألنى فينزو دم وجهه فى وجهى فأكره رده، فأتاه مولى لقريش بابن مولاه وهو غلام فقال: إن أبا هذا قد هلك وقد أردنا تزويجه، فقال: ما عندى، ولكن خذ ما شئت فى أمانتى، فلما مات سعيد بن العاص جاء الرجل إلى عمرو بن سعيد فقال: إنى أتيت أباك بابن فلان، وأخبره بالقصة، فقال له عمرو: فكم أخذت قال: عشرة آلاف، فأقبل عمرو على القوم فقال: من رأى أعجز من هذا يقول له سعـيد: خذ ما شئت فى أمانتى فيأخذ عشرة آلاف لو أخـذت مائة ألف لأديتها عنك.

محمد صفوت جعفر

 


قبة و مقام الإمام الشافعي – القاهرة