أسـاطير
من كتب
السابقين حكى
محمد بن هارون
المعروف بأبى
عيسى الوراق وكان
فى الأصل
مجوسيا عارفا
بمذاهب القوم:
أن (الحكيم
ماني) زعم أن
العالم مصنوع
ومركب من
أصلين قديمين
أحدهما (نور) والآخر
(ظلمة) وأنهما
أزليان لم
يزالا ولن
يزالا وأنكر
وجود شئ إلا
من أصل قديم،
وزعم أنهما لم
يزالا قويين
حساسين سميعين
بصيرين وهما
مع ذلك فى
النفس
والصورة
والفعل
والتدبير
متضادان، وفى
الحيز
متحاذيان تحاذى
الشخص والظل،
وإنما تتبين
جواهرهما وأفعالهما
فى هذا الجدول: الجوهر، النفس، الفعل، الجهة، الأجناس،
الصفات، النور. أما جوهره فهو: حسن فاضل كريم، صاف نقى، طيب
الريح، حسن المنظر. ونفسه: خيرة كريمة حكيمة نافعة عالمة. وفعله: الخير والصلاح والنفع والسرور والترتيب
والنظام والاتفاق. والجهة: جهة فوق وأكثرهم على أنه مرتفع من
ناحية الشمال، وزعم بعضهم أنه بجنب الظلمة. وأجناسه خمسة: أربعة منها أبدان والخامس روحه،
فالأبدان هى النار والنور والريح والماء، وروحها النسيم وهى تتحرك فى هذه الأبدان. والصفات: حية خيرة طاهرة زكية، وقال بعضهم كون
النور لم يزل على مثال هذا العالم له أرض وجو فأرض. والنور: لم تزل لطيفة على غير صورة هذه الأرض
بل هى على صورة جرم الشمس وشعاعها كشعاع الشمس ورائحتها أطيب رائحة وألوانها ألوان
قوس قزح. وقال بعضهم: لا شئ إلا الجسم والأجسام على
ثلاثة أنواع: أرض النور وهى خمسة، وهناك جسم آخر ألطف منه وهو الجو، وهو نفس النور،
وجسم آخر وهو ألطف منه وهو النسيم وهو روح النور. ثم قال: ولم يزل يولد النور ملائكة وآلهة
وأولياء لا على سبيل المناكحة بل كما تتولد الحكمة من الحكيم والمنطق الطيب من
الناطق. وقال: وملك
ذلك العالم هو
روحه ويجمع
عالمه الخير والحمد
والنور،
والظلمة
جوهرها قبيح
ناقص لئيم كدر
خبيث منتن
الريح قبيح
المنظر،
ونفسها شريرة
لئيمة سفيهة
ضارة جاهلة،
وفعلها الشر
والفساد والضرر
والغم
والتشويش
والتتبير
والاختلاف، وجهتها
جهة تحت
وأكثرهم على
أنها منحطة من
ناحية
الجنوب، وزعم
بعضهم أنها
بجنب النور،
وأجناسها
خمسة أربعة
منها أبدان
والخامس روحها،
فالأبدان هى
الحريق
والظلمة
والسموم
والضباب، وروحها
الدخان وتدعى
الهامة وهى
تتحرك فى هذه الأبدان،
والصفات: ميتة
شريرة نجسة
دنسة. وقال
بعضهم: كون
الظلمة لم تزل
على مثال هذا
العالم لها أرض
وجو، فأرض
الظلمة لم تزل
كثيفة على غير
صورة هذه
الأرض بل هى
أكثف وأصلب
ورائحتها
كريهة أنتن
الروائح
وألوانها
ألوان السواد.
وقال بعضهم: لا شئ إلا الجسم والأجسام على ثلاثة أنواع: أرض الظلمة وجسم آخر أظلم
منه وهو الجو، وجسم آخر أظلم منه وهو السموم. قال: ولم
تزل تولد
الظلمة
شياطين
وأراكنة
وعفاريت لا
على سبيل
المناكحة بل
كما تتولد
الحشرات من
العفونات
القذرة. قال: وملك
ذلك العالم هو
روحه ويجمع
عالمه: الشر
والذميمة
والظلمة، ثم
اختلفت
المانوية فى
المزاج وسببه
والخلاص. قال
بعضهم: إن
النور
والظلام
امتزجا
بالخبط
والاتفاق لا
بالقصد
والاختيار،
وقال أكثرهم: إن
سبب المزاج أن
أبدان الظلمة
تشاغلت عن
روحها بعض
التشاغل
فنظرت الروح
فرأت النور فبعثت
الأبدان على
ممازجة النور
فأجابتها لإسراعها
إلى الشر فلما
رأى ذلك ملك
النور وجه إليها
ملكا من
ملائكته فى
خمسة أجناس من
أجناسها
الخمسة
فاختلطت
الخمسة
النورية
بالخمسة
الظلامية
فخالط الدخان
النسيم وإنما
الحياة والروح
فى هذا العالم
من النسيم
والهلاك والآفات
من الدخان،
وخالط الحريق
النار والنور
الظلمة
والسموم
الريح
والضباب
الماء فما فى
العالم من
منفعة وخير
وبركة فمن
أجناس النور، وما
فيه من مضرة
وشر وفساد فمن
أجناس
الظلمة، فلما
رأى ملك النور
هذا الامتزاج
أمر ملكا من
ملائكته فخلق
هذا العالم
على هذه
الهيئة لتخلص
أجناس النور
من أجناس
الظلمة،
وإنما سارت الشمس
والقمر وسائر
النجوم
والكواكب
لاستصفاء
أجزاء النور
من أجزاء
الظلمة،
فالشمس تستصفى
النور الذى
امتزج
بشياطين
الحر، والقمر
يستصفى النور
الذى امتزج
بشياطين
البرد، والنسيم
الذى فى الأرض
لا يزال
يرتفع؛ لأن من
شأنها الارتفاع
إلى عالمها،
وكذلك جميع
أجزاء النور
أبدا فى
الصعود
والارتفاع،
وأجزاء الظلمة
أبدا فى
النزول
والتسفل حتى
تتخلص
الأجزاء من
الأجزاء
ويبطل
الامتزاج
وتنحل
التراكيب ويصل
كل إلى كله
وعالمه وذلك
هو القيامة
والميعاد. قال: ومما يعين فى
التخليص والتمييز ورفع أجزاء النور؛ التسبيح والتقديس والكلام الطيب وأعمال البر
فترتفع بذلك الأجزاء النورية فى عمود الصبح إلى فلك القمر ولا يزال القمر يقبل ذلك
من أول الشهر إلى نصفه فيمتلئ فيصير بدرا ثم يؤدى إلى الشمس إلى آخر الشهر، وتدفع
الشمس إلى نور فوقها؛ فيسرى ذلك العالم إلى أن يصل إلى النور الأعلى الخالص ولا
يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى من أجزاء النور شئ فى هذا العالم إلا قدر يسير منعقد لا
تقدر الشمس والقمر على استصفائه فعند ذلك يرتفع الملك الذى يحمل الأرض ويدع الملك
الذى يجذب السماوات فيسقط الأعلى على الأسفل ثم توقد نار حتى يضطرم الأعلى والأسفل
ولا تزال تضطرم حتى يتحلل ما فيها من النور وتكون مدة الاضطرام ألفا وأربعمائة
وثمانيا وستين سنة، وذكر (الحكيم مانى) فى باب الألف من الجبلة الأولى وفى أول
الشابرقان: إن ملك عالم النور فى كل أرضه لا يخلو منه شئ وأنه ظاهر باطن وأنه لا
نهاية له إلا من حيث تناهى أرضه إلى أرض عدوه، وقال أيضا: إن ملك عالم النور فى سرة
أرضه، وذكر أن المزاج القديم هو امتزاج الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والمزاج
المحدث ؛هو الخير والشر. عرض
وتلخيص
الـبـدع
تكـذيـب
الأحـاديـث من
العجيب فى
عصرنا هذا أن
هناك من إذا
حدثته بحديث
لا يوافق هواه
فأول ما يتفوه
به يقول هذا
حديث مكذوب أو
موضوع أو ضعيف
أو لم يرد،
أواثق هذا من
نفسه بأنه حفظ
كل كلمة عن
سيدنا النبى
صلى الله عليه
وآله وسلم ألم
يعلم بأن الحبيب
المصطفى صلى
الله عليه
وسلم عاش من
عمر الرسالة
ثلاثا وعشرين
عاما كل كلمة
قالها حديث
وكل فعل أتى
به حديث وكل
إشارة أتى بها
حديث، أحفظ كل
هذا لدرجة أنه
حينما يسمع
حديثا ما يحكم
عليه فى الحال
إنه لشىء عجاب!!!
أو لم يعلم
هذا عاقبة ما
يقول، ألم
يستمع إلى قوله
صلى الله عليه
وآله وسلم أن
من كذب
بأحاديثه
فليتبوأ
مقعده من
النار، ألم
يسـمع قول الله تبارك وتعالى ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ وتأمل بأن الويل
للمكذبين وليس للكذابين، لأن المكذبين أشد وطأ وتعالوا بنا إلى قوله صلى الله عليه
وآله وسلم فى شأن المكذبين باحاديثه، فقد روى المقدام بن معد يكرب وأبو رافع
والعرباض بن سارية وجابر بن عبد الله وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أنه قال صلى
الله عليه وآله وسلم (ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عنى وهو متكئ على أريكته، ألا
يوشك رجل شبعان على أريكته لا أعرفن الرجل منكم يأتيه الأمر من أمرى إما أمرت به أو
نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا
استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإنى والله قد حرمت ونهيت ووعظت بأشياء أنها
لمثل القرآن أو أكثر وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله فمن بلغه عنى حديث فكذب به
أو كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) أخرجه أبوداود والترمذى وبن ماجه فى
سننهم والحميدى فى مسنده والحاكم فى المستدرك وقال صحيح على شرط البخارى ومسلم.
تكفير
المسلمين الإيمان بالله أمر قلبى فكيف نحكم باللسان على
أعمال القلوب، وعن حكم تكفير المسلمين يروى لنا سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه عن
النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله
إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بالعمل والجهاد ماض منذ بعثنى الله
إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال لا يبطله جور ولا عدل والإيمان بالأقدار) أخرجه أبو
داود. وقال أيضا صلى الله عليه وآله وسلم (كفوا عن
أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بذنب، من كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر
أقرب) رواه السيوطى عن أبى سعد. المنبر ويدعى البعض بأن الزيادة فى درجات المنبر
بدعة، فعن سهل بن سعد قال :ئبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى إمرأة فقال
(مرى غلامك النجار أن يعمل لى أعوادا أجلس عليها) وعن جابر بن عبد الله قال: جاءت
إمرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يارسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد
عليه فإن ليغلاما نجارا قال صلى الله عليه وسلم: (إن شئت) فعملت المنبر رواه
البخارى. وهنا لم
يحدد صلى الله
عليه وآله
وسلم عدد درجات
المنبر فى
الحديثين
فكيف لنا أن
نحدد عدد درجات
المنبر وأيضا
انتقاله صلى
الله عليه وآله
وسلم من جذع
النخلة وهو
درجة واحدة
إلى المنبر
وهو ثلاث
درجات جواز
بزيادة درجات
المنبر... فلماذا
الإعتراض إذ
الآذان
وعن الترنيم فى الآذان بقول البعض ببدعته، فقد
جاء رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد بن عبد ربه إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله: إنى رأيت فيما يرى النائم ولو قلت إنى لم أكن
نائما لصدقت، إنى بينا -أى بينما- أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان
أخضران فإستقبل القبلة فقال: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى-
حتى فرغ من الآذان ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذى قال غير أنه يزيد فى ذلك: قد قامت
الصلاة مرتين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (علمها بلالا فليؤذن بها)
فكان بلال من أذن به. وجاء الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:
يا رسول الله قد طاف بى مثل الذى طاف به غير أنه سبقنى، فإذا كان الأذان عبارة عن
ألفاظ فقط لكان الأولى بالآذان الذى رأى المنام. وقال الزبير بن بكى فى وصف آذان أبى محذورة:
(كان أبو محذورة أحسن الناس صوتا وآذانا) وإنظر إلى كلمة (أحسن) ولم يقل أقوى أو
أعلى، وقال صلى الله عليه وآله وسلم (لكل شىء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن)
للديملى، وعن عذوبة صوت سيدنا داود عليه السلام فقد قال صلى الله عليه وإله وسلم
(إن داود قارئ أهل الجنة) لأبى يعلى الموصلى. محمد
سيد
القول
بالرأي عند
الإمام
الشعراني الرأى المذموم هو الذى لا صلة له بأصل، كما
قال الإمام البيهقى فى باب القضاء من السنن الكبرى أن الرأى المذموم حيث أطلق فهو
كل ما لا يكون مشبها بأصل، وقد تبرأ أئمة المحققين من القول بالرأى فى دين الله،
منهم سيدنا عبد الله بن عباس وعطاء وتبعهما على ذلك الإمام مالك، وكانوا يقولون: كل
أحد مأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان
الإمام أبو
حنيفة رضى
الله عنه يقول:
حرام على من
لا يعرف دليلى
أن يفتى
بكلامى، وكان
إذا أفتى أحدا
يقول: هذا رأى
أبى حنيفة وهو
أحسن ما قدرنا
عليه، فمن جاء
بأحسن منه فهو
أولى بالصواب.
وكان الإمام
الشافعى رضى
الله عنه يقول:
إذا صح الحديث
فهو مذهبى،
وكان يقول: إذا
رأيتم كلامى
يخالف كلام
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم فاعملوا
بكلام رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
واضربوا
بكلامى
الحائط، وقال
للمزنى حين
قلده فى مسألة:
لا تقلدنى يا
أبا إبراهيم
فى كل ما أقول
وانظر لنفسك
فإنه دين،
وكان يقول فى
المسألة إذا
رأى دليلها
ضعيفا لو صح
الحديث لقلنا
به، وكان أحب
إلينا من
القياس. أما
الإمام أحمد
بن حنبل رحمه
الله تعالى
فحاله معلوم
فى اتباع
السنة حتى أنه
اختفى أيام
المحنة ثلاثة
أيام، ثم خرج
فقيل له إنهم
الآن
يطلبونك،
فقال إن رسول
الله صلى الله
عليه وسلم لم
يمكث فى الغار
حين اختفى من
الكفار أكثر
من ثلاث،
وبلغنا أنه لم
يدون له فى
الفقه كلام قط
خوفا أن يخالف
رأيه كلام
الشارع صلوات
ربى وسلامه
عليه، وكان
يقول: أو لأحد
كلام مع الله
ورسوله؟ وكان
يقول: لا يكاد
أحد ينظر فى
كتب الرأى إلا
وفى قلبه دغل،
وكان يقول: إذا
رأيتم فى بلد
صاحب حديث لا
يدرى صحيحه من
سقيمه وهناك
صاحب رأى
فاسألوا من
صاحب الحديث
ولا تسألوا من
صاحب الرأى،
وكان يقول: لا
تقلدوا فى
دينكم فإنه
قبيح على من أعطى
شمعة يستضئ
بها أن يطفئها
ويمشى فى
الظلام،
ولعله يشير به
إلى العقل
الذى جعله
الله آلة يميز
بها بين
الأمور
ويستبصر بها
فى دينه، وكان
يقول: لا
تقلدونى ولا
تقلدوا مالكا
ولا الأوزاعى
ولا النخعى
ولا غيرهم
وخذوا
الأحكام من
حيث أخذوا،
قلت وهو محمول
على من كان فيه
قوة النظر،
وإلا فقد صرح
العلماء بأن
التقليد أولى
لضعيف النظر
فاعلم ذلك. والله
أعلم. وقد قال صلى الله عليه وسلم (إنى تركت فيكم ما إن
أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتى أهل بيتى) رواه الترمذى. تلخيص
إدريس عبد
الواحد |
|