بيان اعتقاد
الصوفية في
مسائل الأصول
دكة الأغوات التي في شرق و شمال مكان أهل الصفة –
المسجد النبوي الشريف
اعلموا رحمكم الله أن شيوخ هذه الطائفة بنوا
قواعد أمرهم على أصول صحيحة فى التوحيد، صانوا بها عقائدهم عن البدع ودانوا بما
وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل، وعرفوا ما هو حق
القدم، وتحققوا بما هو نعت الموجود عن العدم، ولذلك قال سيد هذه الطريقة الإمام
الجنيد رحمه الله (التوحيد إفراد للقدم من الحدث) وأحكموا أصول العقائد بواضح
الدلائل ولوائح الشواهد، كما قال أبو محمد الجريرى رحمه الله (ان لم يقف على علم
التوحيد بشاهد من شواهده زلت به قدم الغرور فى مهواة من التلف) يريد بذلك أن من ركن
إلى التقليد ولم يتأمل دلائل الوحيد سقط عن سنن النجاة ووقع فى أسر الهلاك، ومن
تأمل ألفاظهم وتصفح كلامهم وجد فى مجموع أقاويلهم ومتفرقاتها ما يثق -بتأمله- بأن
القوم لم يقصروا فى التحقيق ولم يعرجوا فى الطلب على تقصير، ونحن نذكر فى هذا الفصل
جملا من متفرقات كلامهم فيما يتعلق بمسائل الأصول، ثم نحرر على الترتيب بعدها ما
يشتمل على ما يحتاج إليه فى الاعتقاد على وجه الإيجاز والاختصار إن شاء الله تعالى.
معرفة
الله
قال الشيخ أبا عبد الرحمن محمد بن الحسين
السلمى رحمه الله: سمعت عبد الله بن موسى السلامى يقول: سمعت أبا بكر الشبلى يقول
(الواحد المعروف قبل الحدود وقبل الحروف) وهذا صريح من الشبلى أن القديم سبحانه لا
حدَّ لذاته ولا حروف لكلامه، وقال أبا حاتم الصوفى يقول: سمعت أبا نصر الطوسى يقول:
سئل رُويم عن أول فرض افترضه الله عز وجل على خلقه ما هو؟ فقال: المعرفة؛ لقوله جل
ذكره: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ وقال ابن عباس (إلا ليعرفون) وقال
الجنيد: إن أول ما يحتاج إليه العبد من الحكمة: معرفة المصنوع صانعه، والمحدث كيف
كان إحداثه، فيعرف صفة الخالق من المخلوق، وصفة القديم من المحدث، ويذل لدعوته،
ويعترف بوجوب طاعته؛ فمن لم يعرف مالكه لم يعترف بالملك لمن استوجبه.
أخبرنى محمد بن الحسين قال: سمعت محمد بن عبد
الله الرازى يقول: سمعت أبا الطيب المراغى يقول: للعقل دلالة وللحكمة إشارة
وللمعرفة شهادة، فالعقل يدل، والحكمة تشير، والمعرفة تشهد أن صفاء العبادات لا ينال
بصفاء التوحيد.
وسئل الجنيد عن التوحيد، فقال: إفراد الموحد
بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته أنه الواحد، الذى لم يلد ولم يولد بنفى الأضداد
والأنداد والأشباه، بلا تشبيه ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل ﴿ليس كمثله شئ وهو
السميع البصير﴾.
وأخبرنا محمد بن يحيى الصوفى قال: أخبرنا عبد
الله بن على التميمى الوصفي، يحكى عن الحسين بن على الدامغاني، قال: سئل أبو بكر
الزاهر اباذى عن المعرفة فقال: المعرفة اسم، ومعناه وجود تعظيم فى القلب يمنعك عن
التعطيل والتشبيه.
صفاته
قال أبو الحسن البوشنجى رحمه الله: (التوحيد)
أن تعلم أنه غير مشبه للذوات ولا منفى الصفات، وأخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمى
رحمه الله تعالى قال: سمعت محمد بن محمد بن غالب قال: سمعت أبا نصر أحمد بن سعيد
الأسفنجانى يقول، قال: الحسين بن منصور: ألزِم الكل الحدث لأن القدم له، فالذى
بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه، والذى بالأداة اجتماعه فقواها تمسكه والذى يؤلِّفه وقت
يفرقه وقت، والذى يقيمه غيره فالضرورة تمسه، والذى الوهم يظفر به فالتصوير يرتقى
إليه؛ ومن آواه محل أدركه أين، ومن كان له جنس طالبه مكيف، إنه سبحانه لا يظله فوق
ولا يقله تحت ولا يقابله حد ولا يزاحمه عند ولا يأخذه خلف ولا يحده أمام ولم يظهره
قبل ولم يفنه بعد ولم يجمعه كل ولم يوجده كان ولم يفقده ليس.
وصفه
لا صفة
له، وفعله: لا
علة له؛ وكونه:
لا أمد له،
تنزَّه عن
أحوال خلقه،
ليس له من خلقه
مزاج، ولا فى
فعله علاج
بانيهم
بقدمه، كما
باينوه
بحدوثهم، إن
قلت متى، فقد
سبق الوقتّ
كونه، وإن قلت
هو، فالهاء
والواو خلقه،
وإن قلت أى،
فقد تقدم
المكان
وجوده، فالحروف
آياته،
ووجوده
إثباته
ومعرفته
توحيده
وتوحيده
تمييزه من
خلقه، ما
تُصور فى
الأوهام فهو
بخلافه، كيف
يحل به ما منه
بدأه؟ أو يعود
إليه ما هو
أنشأه؟ لا
نماقة
العيون، ولا تقابله
الظنون، قربه
كرامته،
وبُعده إهانته،
علوه من غير
توقُّل
ومجيئه من غير
تنقل. هو الأول والآخر والظاهر والباطن، القريب البعيد،
الذى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.
د. إبراهيم
دسوقى
ولي نظم
در
براعة
المطالع
لى فى
ابتدا مدحكم
يا عرب ذى سلم براعة
تستهل الدمع
فى العـلــم
قال
الحموى اعلم
أنه اتفق
علماء البديع
على أن براعة المطلع
عبارة عن طلوع
أهلة المعانى
واضحة فى استهلالها
وأن لا يتجافى
بجنوب
الألفاظ عن مضاجع
الرقة وأن
يكون التشبيب
بنسيبها
مرقصا عند
السماع وطرق
السهولة
متكفلة لها
بالسلامة من
تجشم الحزن
ومطلعها مع
اجتناب الحشو
ليس له تعلق
بما بعده
وشرطوا أن
يجتهد الناظم
فى تناسب
قسميه بحيث لا
يكون شطره
الأول أجنبيا من
شطره الثانى
وقد سمى ابن
المعتز براعة
الاستهلال
حسن الابتداء
وفى هذه
التسمية
تنبيه على
تحسين
المطالع وإن
أخل الناظم
بهذه الشروط
لم يأت بشئ من
حسن الابتداء
وأورد فى هذا
الباب قول
النابغة:
كلينى
لهم يا أميمة
ناصب وليل
أقاسيه بطئ
الكواكب
ومع
الشيخ الجليل
الذى أجاد حسن
الإستهلال مرة
بعد أخرى حيث
يستهل بمجامع
الأمر ثم
ينثنى تفصيلا
وتعليلا فنجد
أنه شرح قول
المولى ﴿للذين
أحسنوا
الحسنى
وزيادة﴾ ولكن
الشيخ يبدأ من
منتهى الآية
ليتحدث عن جمال
المنحة
الإلهية
بزيادة بعد
الزيادة ولا
حرج على فضل
المولى:
الله من
بعد الزيادة
زادنـى فهو
القدير ومنه
لديه قديـر
وبالرغم
من أن الكلام
عن الإلهيات
يستوجب الجلال
مما يجعل
اللفظ يجنب عن
مواطن الرقة
إلا أن انسياب
الموسيقى غطت
بجمالها جلال
موقف التجلى
الذى قال فيه
ابن الفارض:
صارت
جبالــى دكـــا من هيبة
المتجــلــــى
كما
نلاحظ تناسب
شطرى المطلع
فهذا فى الأخذ
وذاك فى
العطاء أو
نقول هذا فى
العبودية
وذاك فى
الربوبية كما
أن دسم
المعانى قد
أغناه عن حشو
الألفاظ فليس
هناك أى نوع
من التكلف مع
ملاحظة سريان
الطرب مع حسن
الأدب،
والأعجب من كل
ذلك التناسب
بين المعانى
والمبانى
فمثلا لا
يتوقع القارئ
للمحسن إلا الحسنى
ولكن القدير
أعطى الحسنى
وزيادة فمن لديه
قدير يزيده
بعد الزيادة
وليس بعد
الحسنى، ولذا
تحملت الحروف
معانيها فى
طرب يتراقص من
ثقل الكلمات
وخفة الأوزان
الذى تعمد
الشيخ دائما
فى مطالع
فرائده أن
يجمع ملخصا
لفريدته فى
مطلعها وانظر
معى:
إنى
رأيت وقلت يا
قومى أرى ولى
الفخار ومكتـى
أم القرى
هذا فى
حسن الجمال
المطلعى
المتناسب
الذى يتوائم
مع الرقة
والعذوبة
وإليك تناسب
المعانى مع
المبانى (هلا
تشهدانى):
كلت
مبانى ما أقول
عن الذى أرمى
إلى معناه أو
إثباتــه
شيخ
أبوه
موطن
السلام من
الكلام
إذا مررت على قوم فسلم عليهم فإذا سلمت عليهم
فقد وجب عليهم رد السلام، ثم اختلفوا فى الأفضل؟ قال بعضهم: أجر الرد أفضل لأن الرد
فريضة والتسليم سنة فأجر الفرض أكثر من أجر السنة، وإنما قيل إن الرد فريضة لأن
الله تعالى قال ﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوه﴾ فأمر برد السلام
والأمر من الله تعالى فرض، وقال بعضهم: أجر السلام أكثر وأفضل لأنه سابق والسابق له
فضل السبق، وروى الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحرث قال: إذا سلم الرجل
على القوم كان له فضل درجة فإن لم يردوا عليه ردت عليه الملائكة ولعنتهم.
�وعن حضرة النبى صلى الله
عليه وسلم أنه قال (ألا أدلكم على أمر إذا أنتم فعلتموه تحاببتم؟ قالوا: بلى يا
رسول الله، قال: أفشوا السلام بينكم) وقال عطاء: يسلم الماشى على القاعد والصغير
على الكبير والراكب على الماشى ويسلم الذى يأتيك من خلفك، وإذا التقى الرجلان
ابتدءا بالسلام، وقال الحسن فى قوم يستقبلون قوما يبدأ الأقل بالأكثر، وروى زيد بن
وهب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (يسلم الراكب على الماشى والماشى على القاعد
والقليل على الكثير).
قال
الفقيه رحمه
الله: إذا دخل
جماعة على قوم
فإن تركوا
السلام فكلهم
آثمون فى ذلك
وإن سلم واحد
منهم أجزأ
عنهم جميعا
وإن سلموا
كلهم فهو
أفضل، وإن
تـركوا
الجواب فكلـهم آثمون وإن رد
واحد منهم أجزأ عنهم وإن أجابوا كلهم فهو أفضل، وقال بعضهم: يجب الرد عليهم جميعا،
وهذا القول أصح، وروى عن أبى يوسف أن الرد فريضة وقد وجب الرد عليهم جميع.
وقال بعضهم: يجوز إذا رد الواحد عنهم جميعا
وبه نأخذ، وروى الأعمش عن زيد بن وهب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إذا مر قوم
بقوم فسلم عليهم واحد منهم أجزأ عنهم وإذا رد واحد منهم أجزأ عنهم) وينبغى للمجيب
إذا رد السلام أن يسمع جوابه لأنه إذا أجاب بجواب لم يسمعه المسلم لم يكن ذلك
جوابا، ألا ترى أن المسلم إذا سلم بسلام ولم يسمع منه لم يكن ذلك سلاما فكذلك إذا
أجاب بجواب ولم يسمع منه فليس بجواب، وروى معاوية بن قرة أن النبى صلى الله عليه
وسلم قال (إذا سلمتم فأسمعوا وإذا رددتم فأسمعوا وإذا قعدتم فاقعدوا بالأمانة، ولا
يرفعن بعضكم حديث بعض) يعنى به النميمة، وينبغى للرجل إذا سلم على واحد أن يسلم
بلفظ الجماعة وكذلك فى الجواب لأن المُسلم عليه لا يكون وحده، وروى الأعمش عن
إبراهيم النخعى أنه قال: إذا سلمت على الواحد فقل السلام عليكم فإن معه الملائكة،
وروى أبو مسعود الأنصارى أن امرأة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت عليك
السلام، فقال النبى صلى الله عليه وسلم (هذا السلام على الموتى ولكن قولى السلام
عليكم) والأفضل أن يقول السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وكذلك المجيب يقول
هكذا فإن أجره أكثر، ولا ينبغى أن يزيد على البركات شيئا، وروى أبو أمامة عن سهل بن
حنيف عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (من قال السلام عليكم كتب الله تعالى
له عشر حسنات ومن قال السلام عليكم ورحمة الله كتب له عشرون حسنة، ومن قال السلام
عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته كتب له ثلاثون حسنة) وروى عن ابن عباس رضى الله
تعالى عنهما أنه قال: لكل شئ منتهى ومنتهى السلام البركات، وروى أنه سمع رجلا يقول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال ابن عباس انتهوا حيثما انتهت
الملائكة مع أهل البيت الصالحين قولهم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد
مجيد.
سعيد
أمين
|