السيدة فاطمة الزهراء�� رضي
الله عنها
هى سيدة نساء العالمين، حبة قلب الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه، كان يجلسها مجلسه،
وكانت حياته فى حياته، قرة عينه وحبيبة قلبه، لرضاها يرضى الله ولغضبها يغضب الله،
إنها الحبيبة بنت الحبيب، إنها زوج الحبيب، إنها أم الأحباب، إنها الزهراء رضى الله
تبارك وتعالى عنها، فعن حياتها بدءا بمولدها، ومرورا بزواجها ومناقبها وطرفا مما
روته الأخبار، وجانبا مما أنشأته من الأشعار وانتهاءً بوفاتها يكون لنا معكم سلسلة
من شذراتها العطرة.
�فعن
ولادتها رضى الله عنها فقد قيل الكثير، وأصح ما قيل أنها ولدت أيام بناء قريش
للكعبة، ووضعه صلى الله عليه وسلم الحجر فى محله وكان ذلك سنة خمس وثلاثين من مولده
صلى الله عليه وسلم، وقد بعث على رأس الأربعين، فيكون مولدها قبل البعثة بنحو خمس
سنين كما ذكره ابن الجوزى وغيره، وبه جزم المداينى، وقد ذكر الإمام المناوى أن
أولاد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولدوا قبل النبوة إلا ولده إبراهيم.
وقد سماها صلوات ربى وسلامه عليه فاطمة وسر هذه التسمية أن الله فطمها
عن النار، فقد روى الديلمى عن أبى هريرة والحاكم عن الإمام على كرم الله وجهه أنه
صلى الله عليه وسلم قال: إنما سميت فاطمة لأن الله فطمها وحجبها عن النار.
واشتقاقها من الفطم وهو القطع كما قال ابن دريد: ومنه فطم الصبى: إذا
قطع عنه اللبن، ويقال: لأفطمنك عن كذا أى لأمنعنك عنه.
وسميت بالزهراء لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولقبت بالبتول لأنه لا شهوة لها للرجال، أو لأنه تعالى قطعها عن النساء
حسنا وفضلا وشرفا، أو لانقطاعها إلى الله، وقيل البتول التى لا نظير له.
وكنيت بأم أبيها كما أخرجه الطبرانى عن ابن المداينى.
وعن منزلتها ومحبته لها صلى الله عليه وسلم: فقد كانت رضى الله عنها
أحب أولاده وأحظاهن عنده صلى الله عليه وسلم بل أحب الناس إليه مطلقا، ولقد روى
الترمذى عن بريدة وعائشة قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا برسول الله صلى
الله عليه وسلم من فاطمة فى قيامها وقعودها، وكان إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها
وأجلسها فى مجلسه. وروى الطبرانى فى الأوسط عن أبى هريرة أن عليا قال: يا رسول
الله، أيما أحب إليك أنا أم فاطمة؟ قال: فاطمة أحب إلى منك، وأنت أعز على منها
وكأنى بك وأنت على حوضى تذود عنه الناس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء،
وإنى وأنت والحسن والحسين وعقيل وجعفر فى الجنة إخوانا على سرر متقابلين ثم قرأ صلى
الله عليه وسلم ﴿إخوانا على سرر متقابلين﴾.
سيدة نساء الأمة
عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت قال صلى الله عليه وسلم (يا فاطمة
أما ترضين أن تكونى سـيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة).
وعن ابن عساكرعن حذيفة رضى الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم
(آتانى ملك فسلم علىّ، نزل من السماء لم ينزل قبلها فبشرنى أن الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء الجنة).
أحب الأهل
عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحب أهلى إلى
فاطمة رواه أبو داود الطيالسى والطبرانى فى الكبير والحاكم والترمذى.
شهادة السيدة عائشة لها
وعن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت: ما رأيت أفضل من فاطمة غير
أبيها، قالت -وكان بينهما شئ- يا رسول الله سلها فإنها لا تكذب) رواه الطبرانى فى
الأوس وأبو يعلى لكنها قالت ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة ورجاله رجال صحيح.
نجاتها هى وولدها
عن عبد الله بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة إن الله غير
معذبك ولا ولدك بالنار.
وعن الإمام على كرم الله وجهه أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: أى شئ خير للمرأة فسكتوا، فلما رجع، قال لفاطمة: أى شىء خير للنساء
قالت: لا يراهن الرجال، فذكر ذلك للمصطفى فقال إنما فاطمة بضعة منى وفيه دليل على
فرط ذكائها وكمال فطنتها وقوة فهمها وعجيب إدراكها.
زواج الطاهرة بالإمام على
لما شبت رضى الله تبارك وتعالى عنها وترعرعت، تزوجها الإمام على كرم
الله وجهه وعمره نحو احدى وعشرين سنة على المشهور، وكان ذلك فى رمضان من السنة
الثانية من الهجرة، وقال الإمام الليث: بعد وقعة بدر، وقيل: فى رجب منها، وقيل: فى
صفر، وقيل: بعد وقعة أحد، وبنى بها بعد العقد بنحو أربعة أشهر، وقيل ستة أشهر، ولم
يتزوج قبلها ولا عليه.
قال الليث: فولدت له حسنا وحسينا ومحسنا وقد مات صغيرا، وأم كلثوم
الكبرى التى تزوجها الإمام عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
كما أنجبت رضى الله عنها أيضا السيدة زينب الكبرى وتزوجها عبد الله بن
جعفر فولدت له عدة أولاد. وكان زواجها بالإمام على بأمر الله تعالى: فعن ابن مسعود
أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى أمرنى أن أزوج فاطمة من على رواه
الطبرانى ورجاله ثقات.
البقية العدد القادم
محمد سيد
من سيرة الصحابة
الذكر جليس الصحابة وقرينهم وقولهم وفعلهم ومخبرهم ومظهرهم وليلهم
ونهارهم، فهم ذاكرون لله ومذُكرِّون الخلق بالله تعالى، فإذا ما رءوا ذُكر الله،
وقد أدى الصحابة الكرام الأذكار النبوية المقيدة فى وقتها بكيفيتها وألفاظها ثم
هتفت ألسنتهم بها، كما التزم الصحابة رضى الله عنهم بآداب الذكر كحضور القلب
والخشوع والخضوع والخشية، والإسرار بالذكر ما لم يكن فى موضع يجهر فيه الذكر، وأداء
الذكر المطلق فى وقته، والذكر المقيد فى حينه، فلا يبغى أحدهما على الآخر، وهذا ما
نفقده فى بعض المعاصرين، فقد نرى من يسبح فى اليوم أو يكبر أو يهلل مائة ألف مرة،
ولا يقرأ آية واحدة من القرآن العظيم.
وقد شغف الصحابة رضى الله عنهم بالذكر وعزًّ عليهم أن تمر بهم لحظة
بدون ذكر الله، فاشتغلوا به ليل نهار، فقد أخرج الطبرانى أن سيدنا عبد الله بن
مسعود قال: لأن أذكر الله عز وجل يوماً إلى الليل أحب إلىّ من أن أحمل على جياد
الخيل يوماً فى الليل، وورد أيضا عن سيدنا معاذ بن جبل رضى الله عنهم أجمعين، وأورد
صاحب حلية الأولياء أن سيدنا أبو الدرداء رضى الله عنه قال: لأن أُكبر الله مائة
مرة أحب إلى من أن أتصدق بمائة دينار، وقد أخرج ابن عساكر عن سيدنا عبد الله بن
مسعود رضى الله عنه قال: مجالس الذكر محياة للعلم وتحدث للقلوب خشوعا.
وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لا تشغلوا أنفسكم بذكر الناس،
فإنه بلاء، وعليكم بذكر الله، أخرجه الإمام أحمد فى الزهد،
وقال سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه: لو أن قلوبنا طهرت لم تمل من
ذكر الله، أورده صاحب كنز العمال.
وقال الصحابى الجليل معاذ بن جبل رضى الله عنه: ما عمل آدمى عملا أنجى
له من عذاب الله من ذكر الله، قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ولا الجهاد فى سبيل الله؟
قال: ولا الجهاد فى سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع، لأن الله يقول فى كتابه
﴿ولذكر الله أكبر﴾.
نصر عبد المعطى عايش
من فوائد قراءة الصمدية
عن أبى بن كعب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من
قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القران) وسئل الإمام فخر الدين رضى الله عنه:
لماذا كانت الصمدية ثلث القران؟ فأجاب رضى الله عنه قائلا: القرآن على ثلاث أجزاء
ثلث توحيد وثلث قصص وثلث للتشريع، والصمدية فيها التوحيد، لذلك فهى تعدل ثلث
القرآن، وقيل أن الاسم الأعظم فى الصمدية، وعن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى
صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت أخشى العذاب على أمتى بالليل والنهار حتى جاء
جبريل عليه السلام بسورة قل هو الله أحد فعلمت أن الله تعالى لا يعذب أمتى بعد
نزولها لأنها نسبة الله، ومن تعهد قراءتها تناثر البر من عنان السماء على رأسه
ونزلت عليه السكينة وتفشته الرحمة فينظر الله تعالى إلى قارئها فيغفر له مغفرة لا
يعذب بعدها أبدا ولا يسأل الله تعالى إلا أعطاه.
أما ما ورد بشأن قراءتها دبر الصلوات المكتوبة فقد أخرج الطبرانى عن
أبى إمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ أية الكرسى وقل هو الله
أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة شئ إلا الموت).
تاسعا: المعوذتان وكل منها مرة: فقد قال تعالى ﴿قل أعوذ برب الفلق من
شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات فى العقد ومن شر حاسد إذا حسد﴾
الفلق، الصبح وقيل الخلق، وغاسق إذا وقب، قال مجاهد: غاسق الليل إذا وقب غروب
الشمس، ومن شر النفاثات فى العقد: أى السواحر، قال مجاهد: إذا رقين ونفثن فى العقد
﴿ومن شر حاسد إذا حسد﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كان شئ سابق القدر
لسبقته العين).
وقال تعالى ﴿قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس
الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس من الجنة والناس﴾ وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى
الدنيا وابن المنذر عن عروة بن رويم أن سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام دعا ربه
أن يريه الشيطان من ابن آدم فجلى له فإذا رأسه مثل رأس الحية واضعا رأسه على ثمرة
القلب فإذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكره وضع رأسه على ثمرة قلبه فحدثه.
وعن أسباب نزول المعوذتين فقد أخرج عبد بن حميد فى مسنده عن زيد بن
أسلم قال: سحر النبى صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى، فآتاه جبريل فنزل
عليه بالمعوذتين وقال: ان رجلا من اليهود سحرك، والسحر فى بئر فلان، فأرسل عليا
فجاء به فأمره أن يحل العقدة ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبى صلى اله عليه
وسلم كأنما نشط عقال.
وعن خواص وفوائد المعوذتين فقد أخرج الطبرانى فى الأوسط عن ابن مسعود
أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لقد أنزل علىّ آيات لم ينزل علىّ مثلهن
المعوذتين.
وعن أبى سعيد الحذرى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من
عين الجان ومن عين الإنس فلما نزلت سورة المعوذتين أخذ بهما وترك ما سوى ذلك.
وأما ما ورد بشأن قراءة المعوزتين دبر كل صلاه مكتوبة فقد أخرج ابن
مردوبة عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقرؤوا
بالمعوذات فى دبر كل صلاة، وعن عقبة بن عامر قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة.
عاشرا: سبحان الله33 - الحمد لله33 - الله اكبر34:
فعن أبى سلمه بن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما: جلس النبى صلى الله
عليه وسلم ذات يوم فأخذ عودا يابسا وحط ورقة ثم قال: إن قول لا إله إلا الله والله
أكبر والحمد لله و سبحانه الله تحط الخطايا كما تحط ورق هذه الشجرة من الريح خذهن
يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن هن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة.
قال أبو سلمة فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذه الحديث قال: لأهللن
ولأكبرن ولأسبحن حتى إذا رآنى الجاهل حسب أنى مجنون، ابن جرير الطبرى
وحول معانيها قال طلحه بن عبيد الله رضى الله عنه: سألت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عن تفسير سبحان الله قال: هو تنزيه الله عن كل سوء.
أما الحمد لله: فهناك حمد استعاره وحمد رسمى، فحمد الاستعارة هو الحمد
الجارى على ألسنة الأمة، والحمد الرسمى هو فى موطن الحمد على موجب مقتضيات الحمد ما
تكون إلا بعد نهاية الذكر.
الله أكبر: الله أكبر من أن تفكر فيه، وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق فإنكم لا تقدرون قدره.
سعيد أمين
|