من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -49

افهموا وتفقهوا

 

من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني - 49

بيان عرض أعمال الأحياء على الأموات

أخرج أحمد والحكيم والترمذي في نوادر الأصول وابن منده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا). (وأخرج) الطيالسي في مسنده عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعمالكم تعرض على عشائركم وأقاربكم في قبورهم، فإن كان خيراً استبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك). (وأخرج) ابن المبارك وابن أبي الدنيا عن أبي أيوب قال (تعرض أعمالكم على الموتى، فإن رأوا حسناً فرحوا واستبشروا، وإن رأوا سوءاً قالوا اللهم راجع به). (وأخرج) ابن أبي شيبة في المصنف والحكيم والترمذي وابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن مسيرة قال: غزا أبو أيوب القسطنطينية فمر بقاص وهو يقول: إذا عمل العبد العمل في صدر النهار عرض على معارفه إذا أمسى من أهل الآخرة وإذا عمل العمل في آخر النهار عرض على معارفه إذا أصبح من أهل الآخرة فقال أبو أيوب انظر ما تقول قال والله انهم كليهما أقول فقال - أبو أيوب (اللهم إني أعوذ بك أن تفضحني). عن عبادة بن الصامت وسعد بن عبادة بما عملت بعدهم، فقال القاص والله لا يكتب الله ولايته لعبد إلا ستر عوراته، وأثنى عليه بأحسن عمله. (وأخرج) الحكيم الترمذي في نوادره من حديث عبدالغفور بن عبدالعزيز عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله وتعرض على الأنبياء وعلى الآباء والأمهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضاً وإشراقاً، فاتقوا الله ولا تؤذوا أمواتكم).

(وأخرج) الحكيم الترمذي وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات والبيهقي في شعب الإيمان عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الله الله في إخوانكم من أهل القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم) (وأخرج) ابن أبي الدنيا والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور) (وأخرج) ابن أبي الدنيا وابن منده وابن عساكر عن أحمد بن عبدالله بن أبي الحواري، قال حدثني أخي محمد بن عبدالله، قال دخل عباد ا لخواص على إبراهيم بن صالح الهاشمي وهو أمير فلسطين، فقال له إبراهيم عظني، فقال قد بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فانظرما تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك. (وأخرج) ابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي عبدالله بن رواحة إذا لقيته (وأخرج) ابن المبارك والأصبهاني عن أبي الدرداء قال: إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساءون ويقول اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً يخزي عبدالله بن رواحة (وأخرج) أيضاً ابن المبارك عن عثمان بن عبدالله بن أوس أن سعيد بن جبير قال له أستأذن على ابنة أخي وهي زوجة عثمان وهي ابن عمرو بن أوس، فاستأذن له عليها فدخل فقال كيف يفعل بك زوجك قالت إنه إليَّ لمحسن ما استطاع فقال يا عثمان أحسن إليها فإنك لا تصنع بها شيئاً إلا جاء عمرو بن أوس فقلت وهل تأتي الأموات أخبار الأحياء؟ قال نعم ما من أحد له حميم إلا فيأتيه أقاربه فإن كان خيراً أُسر به وفرح وهنئ به وإن كان شراً ابتأس به وحزن حتى أنهم يسألونه عن الرجل قد مات فيقال أو لم يأتكم فيقولون لا خولف به إلى أمه الهاوية. (وأخرج) ابن أبي الدنيا من طريق أبي بكر بن عياش عن حفار كان في بن أسد قال كنت في المقابر ليلة إذ سمعت قائلاً من قبر، يا عبدالله قال مالك يا جابر قال غداً تأتينا أمة قال وما ينفعها لا تصل إلينا إن أبي قد غضب عليها وحلف أن لا يصلي عليها فلما كان من غد جاءني رجل فقال احفر لي هنا قبراً بين القبرين اللذين سمعت منهما الكلام فقلت اسم هذا جابر واسم هذا عبدالله قال نعم فأخبرته بما سمعت فقال نعم وقد كنت حلفت أن لا أصلي عليهما- فلأكفرن عن يميني ولأصلين عليهما- (وأخرج) أبو نعيم عن ابن مسعود قال صلّ من كان أبوك يصِلَهُ فإن صلة الميت في قبره أن يصل من كان أبوه يواصله، (وأخرج) ابن حبان عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل أخوان أبيه من بعده) (وأخرج) أبو داود وابن حبان عن أبي اسيد الشاعري قال: جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما به بعد موتهم. قال (نعم أربع خصال بقين عليك الدعاء وانفاذ عهديهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما).

ما جاء في تلقين الإنسان بعد موته شهادة الإخلاص في لحده

ذكر أبو محمد عبدالحق يروي عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل يا فلان بن فلانة الثانية فإنه يستوي قاعداً ثم يقول يا فلان بن فلانة الثالثة فإنه يقول أرشدنا رحمك الله ولكنكم لا تسمعون فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالقرآن إماماً فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهما ويقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا، وقد لقن حجته ويكون الله حجيجهما دونه، فقال رجل يا رسول الله فإن لم تعرف أمه قال: نيسبه إلى أمه حواء).

قال الشيخ المؤلف رحمه الله هكذا ذكره أبو محمد في كتاب العاقبة لم يسنده إلى كتاب ولا إلى إمام، وعادته في كتبه نسبة ما يذكره من الحديث إلى الأئمة وهذا والله أعلم نقله من إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد رضي الله عنه. فنقله كما وجد ولم يزد عليه وهو حديث غريب خرجه الثقفي في الأربعين له أنبأه الشيخ المسن الحاج الراوية أبو محمد عبدالوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح بن أبي الحسن القرشي عرف بابن رواح بمسجده بثغر الاسكندرية حماه الله، والشيخ الفقيه الإمام مفتي الأنام أبوالحسن علي بن هبة الله الشافعي بمنية ابن خصيب على ظهر النيل بها قالا جميعاً حدثنا الشيخ الإمام الحافظ أبو ظاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني قال: أخبرنا الرئيس أبوعبدالله القاسم بن الفضل بن أحمد بن محمود الثقفي بأصبهان: أخبرنا أبو علي الحسين بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدان التاجر بنيسابور. حدثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب الأصم حدثنا أبو الدرداء هاشم بن يعلى الأنصاري حدثنا عتبة بن السكن الفزاري الحمصي عن أبي زكريا عن حماد بن زيد عن سعيد الأزدي قال: دخلت على أبي أمامة الباهلي وهو في النزع وقال لي يا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا فقال: إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل يا فلان يا فلان بن فلانة فإنه سيسمع فليقل يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعداً فليقل يا فلان بن فلانة فإنه سيقول: أرشدنا يرحمك الله فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وزن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله باعث من في القبور فإن منكر ونكير عند ذلك يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول:

ما نصنع عند رجل لقن حجته فيكون الله حجيجهما دونه حديث أبي أمامه في النزع غريب من حديث حماد بن زيد ما كتبناه إلا من حديث سعيد الأزدي قال أبو محمد عبدالحق: وقال شيبة بن أبي شيبة: أوصتني أمي عند موتها فقالت لي يا بني إذا دفنتني فقم عند قبري وقل يا أم شيبة قولي لا إله إلا الله ثم انصرف فلما كان من الليل رأيتها في المنام فقالت لي يا بني لقد كدت أن أهلك لولا أن تداركتني لا إله إلا الله فلقد حفظتني في وصيتي يا بني.

قال الشيخ المؤلف: قال شيخنا أبوالعباس أحمد بن عمر القرطبي: ينبغي أن يرشد الميت في قبره حيث يوضع فيه إلى جواب السؤال ويذكر بذلك فيقال له قل الله ربي والإسلام ديني ومحمد رسولي فإنه عن ذلك يسأل كما جاءت الأخبار على ما يأتي إن شاء الله وقد جرى العمل عندنا بقرطبة كذلك فيقال قل هو محمد رسول الله وذلك عند هيل التراب ولا يعارض هذا بقوله تعالى ﴿وما أنت بمسمع من في القبور﴾ وقوله ﴿إنك لا تسمع الموتى﴾ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نادى أهل القليب وأسمعهم وقال ما أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يستطيعون جواباً وقد قال في الميت إنه ليسمع قرع نعالهم وإن هذا يكون في حال دون حال ووقت دون وقت وسيأتي استيفاء هذا المعنى في باب ما جاء أن الميت يسمع ما يقال إن شاء الله.

الطواف حول القبور

أما الطواف حول القبور فلا شيء فيه، لأنه سنة الله في خلقه، وقد أخذ قياساً من الطواف حول الكعبة وإلا فما فائدة القياس في الدين، بل إن الطواف حول الكعبة عبادة وحول الضريح عبادة، ثم إن الطواف حول الكعبة ما هو إلا لنيل البركة الموجودة في الكعبة كما قال تعالى ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مبارك﴾ الآية. فكان الطواف حول الكعبة للحصول على البركة ولتوجيه الله تعالى عباده إلى جهة أو إلى أي مكان ليعلم منها امتثال أمر المعبود بحق كما قال تعالى ﴿وليطوفوا بالبيت العتيق﴾ وحيث كان كذلك فحرمة العبد المؤمن الصالح أحسن وأفضل، كما يروي الترمذي أن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما وقف تجاه الكعبة وقال (أشهد أن حرمتك عند الله عظيمة، ولكن حرمة المسلم عند الله أعظم منك) وحيث عرفت هذا فالطواف حول ضريح الصالح لا شيء فيه. لأنه وما حوله مغمور بالرحمة والبركة على الدوام خاصة الأماكن الطاهرة لا تبرحها الملائكة أبد. وأن الدعاء فيها مستجاب بنص الحديث الشريف (أحب البقاع إلى الله مساجدها) الحديث- ولذا كان من هنا رغبة عباد الله الصالحين الدفن بالمساجد. ثم اعلم أنه لا يوجد على وجه الأرض ولي لله تعالى إلا وهو من آل البيت بدليل قوله تعالى: ﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت﴾ فالرحمة هي الإكرام لهم مستمرة إلى يوم القيامة، فإن قال قائل: الآية لسيدنا إبراهيم عليه السلام نقول نعم. إنما عادة الله تعالى أن يذكر من البيت أبرزه. وإن أبرز بني إبراهيم عليه الصلاة والسلام- إنما هو اسماعيل وكان رسولاً نبياً في بني إبراهيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار).

السابق

 

افهموا وتفقهوا

س: هل يسجد المأموم لنقص أو زيادة وقعت له حين اقتدائه بإمامه؟

ج: لا سجود على المأموم الذى سهى بزيادة أو نقص حين اقتدائه بإمامه، لأن كل سهو سهاه المأموم فالإمام يحمله عنه، أما إذا كان مسبوقا فسهى بعد سلام الإمام حين قضاء ما فاته فعليه السجود.

س: ما هو حكم من سجد لترك فضيلة أو سنة خفيفة؟

ج: من ترك فضيلة كالقنوت أو سنة خفيفة كتكبيرة واحدة فسجد قبل السلام بطلت صلاته ولا يعذر بجهل.

س: هل تبطل الصلاة بترك السجود البعدى والقبلى؟

ج: لا تبطل الصلاة التى ترتب فيها سجود بعدى ولو تعمد الترك، وعليه أن يسجد متى ذكره ولو بعد سنين ولا يسقط بطول الزمان، أما السجود القبلى فلا تبطل الصلاة بتركه إذا ترتب عن سُنتين خفيفتين فقط، ويسجده على طريق السنة إن لم يطل الزمن ولم يخرج من المسجد، فإن طال زمن أو خرج من المسجد سقط لخفته ولم يطالب به، فإن ترتب على ثلاث سنن وخرج من المسجد أو طال الزمن بطلت صلاته، هذا إذا تركه سهوا فإن تركه عمدا بطلت الصلاة بمجرد الترك.

على المذهب المالكى
محمد الحسن ود الفكى