رواية الحديث بالمعنى
إختلف الناس فى رواية الحديث بالمعنى، قال بعضهم: لا يجوز إلا بلفظه
وقال بعضهم يجوز، وهو الأصح، أما حجة الطائفة الأولى فما روى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال (رحم الله أمرأ سمع منى حديثاً فبلغه كما سمع) وروى البراء بن
عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم علم رجلا دعاء وكان فى آخر دعائه آمنت بكتابك
الذى نزلت ونبيك الذى أرسلت فقال الرجل وبرسولك الذى أرسلت، فقال له النبى صلى الله
عليه وسلم قل ونبيك الذى أرسلت فنهاه عن تغيير اللفظ وأما حجة من قال إنه يجوز
بالمعنى فلأن النبى صلى الله عليه وسلم قال (ألا فليبلغ الشاهد الغائب) فقد أمرنا
بالتبليغ عامة.
وروى عن واثلة بن الأسقع وكان من الصحابة قال: إذا حدثناكم حديثا
بالمعنى فحسبكم، وقال ابن عوف: كان إبراهيم النخعى والشعبى والحسن البصرى يؤدون
الحديث بالمعنى، وقال وكيع لو لم يكن بالمعنى واسعا لهلك الناس، وقال سفيان الثورى:
إنى لو قلت لكم إنى أحدثكم كما سمعت فلا تصدقونى لأن الله تعالى قال ﴿فلولا نفر من
كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون﴾ بلفظ العربية، ولو كان قومهم لا يفقهون بلفظ العربية فلابد له من البيان
والتفسير، فثبت أن العبرة للمعنى لا اللفظ، فى رواية الحديث والإجازة.
واختلف الناس فى رواية الحديث لو قال حدثنا بدلا من أخبرنا أو قال
أخبرنا بدلا من حدثنا يجوز أم لا؟ قال بعض أهل الحديث: إذا قرأت الحديث على محدّث
فأردت أن تروى عنه ينبغى لك أن تقول أخبرنا فلان، وإن كان لمحدّث قرأ عليك فقل
حدثنا فلان، وقال أكثر أهل العلم: كلاهما سواء وبه نأخذ، وقد روى عن أبى يوسف
القاضى رحمه الله أنه قال: إذا قرأت الحديث على فقيه أو قرأ عليك فإن شئت قلت حدثنا
وإن شئت قلت أخبرنا وإن شئت قلت سمعت من فلان، وروى عن أبى مطيع أنه قال سألت أبا
حنيفة فقلت له أقول حدثنا أو أقول أخبرنا؟ قال إن شئت قلت حدثنا وإن شئت قلت
أخبرنا، وروى عن شعبة بن الحجاج أنه قال إن شئتم قلتم حدثنا وإن شئتم قلتم أنبأنا
وإن شئتم قلتم أخبرنا، وإن قال المحدّث أجزت لك أن تحدث عنى فلا يجوز لك أن تقول
حدثنا ولا أخبرنا، وجاز أن تقول أجازنى فلان.
قال الفقيه أبو الليث السمرقندى سمعت الخليل بن أحمد القاضى رحمه الله،
قال: سمعت أبا طاهر أحمد بن سفين الديامى قال: إذا قال المحدّث أجزت لك فكأنه قال
أجزت لك بأن لا تكذب علي، وقال ولو كتب إليك المحدث بحديث أو دفع إليك كتابه وقال
حدثنى فلان بجميع ما فيه جاز لك أن تقول أخبرنا فلان ولا يجوز أن تقول حدثنا فلان
لأن الكتابة خبر والحديث لا يكون إلا بالمخاطبة، ألا ترى لو أن رجلا حلف أن لا يخبر
فلانا بكذا، فكتب إليه بذلك فإنه يحنث، ولو حلف بأن لا يحدثه فكتب إليه فإنه لا
يحنث ما لم يخاطبه، وروى عن ضمرة عن عبد الله بن عمر قال: رأيت عبد الله بن شهاب
يؤتى بالكتاب فيقال له هذا كتابك عرفته؟ فيقول: نعم، فيرضون بما قرأه عليهم وما
قرءوه عليه فينسخون ويخبرون به، وروى عبد العزيز بن أبان عن شعبة قال: كتب إلى
منصور بن المنعم بحديث فلقيته فسألته عن ذلك فقال أليس قد كتبت إليك كتابا؟ فقلت له
إذا كتبت إلى فقد حدثنى به؟ قال نعم، فذكرت ذلك لأيوب السختيانى فقال صدق إذا كتب
إليك فقد حدثك، وروى عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال: كتابة العلم إليك وسماعك
منه بمنزلة واحدة يجوز الرواية عنه إذا كتب إليك كما يجوز لو سمعت عنه، ولكن
يختلفان فى لفظ الرواية؟.
إبراهيم عبد المطلب
ولي نظم
در
فى مدح الرسول الأكرم
صلى الله عليه وسلم
حيث عز الشهود طاب شهودى يا على الجناب صح الشهـود
يا من الأمر حول جيدك عقـد وبك الأنبياء تعطى العـقـود
والتقى فيك يا مـؤمـل قـوم كلما عاينوك غار الوجــود
من أبدع ما نظمه الإمام فخر الدين رضى الله عنه هذه الأبيات التى تدور
فكرتها حول مدحه الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وليس هذا جديدا، بل سبقه الكثير
من الصحابة والتابعين، تصديقا لقوله تعالى ﴿لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه
وتسبحوه بكرة وأصيل﴾ وليس أدل على ذلك من خلع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بردته الشريفة اكراما لسيدنا سعد الأنصارى حينما مدحه، وهاهو سيدنا حسان بن ثابت
شاعره صلى الله عليه وسلم تتوالى قصائده فى مدحه حتى أصبح مؤيدا بروح القدس.
وتمر السنون وتتوالى القرون ولا يزداد المحبون للرسول صلى الله عليه
وسلم والهائمون به والمادحون له إلا حبا وعشقا، ومن هؤلاء سلطان العاشقين سيدنا عمر
بن الفارض، والإمام البوصيرى صاحب البردة الشهيرة.
وفى عصرنا هذا نجد الأبيات السابقة تقرر فوز الإمام فخر الدين رضى الله
عنه بمشاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم فى مراتب عالية ويتجلى ذلك فى البيت الأول
الذى يقول:
حيث عز الشهود طاب شهودى يا على الجناب صح الشهــود
فنجد جمال اللفظ، فى كلمة (حيث) التى تدل على المكان أو المقام، أما
كلمة (عز) فتوحى بالندرة وكلمة (طاب) توحى بالسعادة والرغد وطيب الإقامة، وقد صدق
المشاهد فى(صح).
ومن المصاحبات اللغوية: الجمع بين (طاب وشهودي)، أما عن جمال الأسلوب
نجده فى (يا على الجناب) حيث النداء الذى يدل على التعظيم والإجلال لشخص الرسول صلى
الله عليه وسلم ومدى قربه من الجناب الإلهى.
ومن بديع البيت: حسن التقسيم حيث التناغم الموسيقى المنبعث من تتابع
الجمل فى البيت.
أما عن البيت الثانى:
يا من الأمر حول جيدك عقـد وبك الأنبياء تعطى العقــود
فالتصوير البيانى حيث التشبيه البليغ فى قوله (الأمر حول جيدك عقد) فقد
شبه الأمر بالعقد، وجمال المعنى حيث النداء فى (يا من الأمر) للتعظيم والاجلال،
وكذا الفصل بين المبتدأ والخبر بشبه الجملة فى (حول جيدك) ما يدل على عظمة الرسول
صلى الله عليه وسلم وتصرفه فى (عالم الأمر) كما أوضح أحد المحبين المادحين فى قصيدة
سابقة بقوله (والأمر يبرمه هناك لسانه).
وأسلوب القصر حيث التقديم والتأخير فى (بك) لتخصيصه صلى الله عليه
وسلم، فبه وحده دون سواه يعطى الأنبياء عقودهم، وحذف الفاعل فى بناء الفعل (تعطي)
للمجهول تعظيما للفاعل وعلما به لأنه هو الحق تبارك وتعالى.
ومن البديع: الجناس الناقص بين (عقد والعقود) مما يجذب الانتباه ويعطى
نغما موسيقيا، ومن المصاحبات اللغوية (جيد وعقد) و (تعطى العقود) والبيت فى مجمله
يبدى تأثر الإمام بالقرآن الكريم وذلك فى قوله تعالى ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين﴾.
سيد عبد اللطيف
الظلال (4)
الحسد والسحر
قلنا فيما سبق أن الشيطان يصور للإنسان فى الباطن كما يصور له فى
الظاهر، أى كما يصور لك فى النوم يصور لك فى اليقظة، فيجعلك تكره الخير ويحبب لك
الشر. ويصور لك الحسن قيبحا والقبيح حسنا، فكما أنه يزين لك فى الباطن يزين له فى
الظاهر، والحق سبحانه وتعالى يقول ﴿وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون﴾ وقال أيضا
﴿وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم﴾ وقال أيضا ﴿زين للناس حب الشهوات﴾ ولم يقل (زينا)
فهو دائما وأبدا يصور لك ويزين لك، فعندما تقول للحسن قبيحا وللقبيح حسنا فمثلا يظن
بعض الناس ويحسبون أنه كلام أنفسهم لأن النفس لها أيضا كلام، ولكن كيف تميز بين
كلام النفس وكلام الشيطان، وهذا يحتاج منا أن نتحدث عن النفس والمقام الذى نحن فيه
ليس مقام النفس، وغاية القول أن تأثير الأشياء والظاهرة فى بعضها أمر واضح، وأن
هناك تأثيرات خفية يجهلها بعض الناس كالحسد والسحر، كما أن هناك تأثيرات للأنبياء
والرسل والصالحين.
ومما سبق فهمنا أن عالم الظلال إما خلق الشيطان أو من الشخص ذاته أو
حقائق ثابتة أوجدها الحق سبحانه وتعالى، فالحسد لا يقع من كل إنسان، بل من أناس لهم
خصوصيات جعلتهم أهلا فيقع الحسد، بإرادتهم لا عفوا، فإذا وقع، نظر أحدهم على شئ ولم
يرد أن يحسده أو خاف عليه، صرف نظره عنه وكف نفسه عن تصوره والفكر فيه، أما إذا
أراد أن يحسد شيئا فإنه يحد نظره إليه تم يتصور فى نفسه الضرر الذى يريد إحداثه فيه
كمرضه أو موته، أو ضرر عام كسوء حال، فكثيرا ما يقع ما أراده، أو قريب مما أراده،
فكيف يتم ذلك؟ حقيقة الأمر أن الحاسد، خلق له ظلالا واتصل هذا والظل بجسم المحسود
وبروحه، أى أن روح الحاسد امتدت مع الظل الذى خلقه وتصوره حتى اتصلت بجسم المحسود
وروحه، فأثرت فيها ذلك الأثر، ولا فرق بين أن يصرع إنسان إنسانا بيده أو بروحه، إلا
أن الأول كان بالروح مباشرة، والثانى العامل فيه الروح أيضا لكن بواسطة اليدين،
لأنهما بدون روح فيهما، وقد لا يكون هذا التأثير بخلق ظل بل اتصال روح الحاسد بظل
المحسود الذى هو من خلق الله تعالى.
ولا يلزم من هذا أو ذاك معرفة حقيقته، ولكن يعلم أنه رأى ولامس، والحسد
فى الكتاب وراد فى قول الحق تبارك وتعالى ﴿ومن شر حاسدا إذا حسد﴾ وفى قول سيدنا
يعقوب لبنيه ﴿لاتدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة﴾ فلا وجه لإنكار صحته
من النقل كما هو مشهود بالفعل.
أما السحر فكالحسد فى أنه تأثير فى أرواح وأجسام بواسطة ظلال حقية أو
ظلال مأفوكة من الساحر، ولكن هذا يصحبه الشيطان ولابد فيكون شريكا للساحر فى عمله،
ولابد أن نعلم أن العلم بالشئ غير العمل به، فتعلم السحر من دون العمل به لا شئ
فيه، وأن الملكين اللذين كانا يعلمان الناس السحر كانا يقولان لمن يعلمانه لا تكفر،
فيه نهى عن العمل بما يعلماه ﴿وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر﴾
وإلى لقاء آخر مع الظلال.
محمد رشاد
فصحاء النساء
حكى أن هند ابنة النعمان كانت أحسن أهل زمانها، فوصف للحجاج حسنها،
فأرسل إليها يخطبها، وبذل لها مالا جزيلا وتزوج بها وشرط لها عليه بعد الصداق
مائتى ألف درهم ودخل بها، ثم إنها انحدرت معه إلى بلد أبيها (المعرة) وكانت هند
فصيحة أديبة، فأقام بها الحجاج بالمعرة مدة طويلة، ثم رحل بها إلى العراق فأقامت
معه ما شاء الله، ثم دخل عليها فى بعض الأيام وهى تنظر فى المرآة وتقول:
وما هند إلا مهـرة عـربـية سليلة أفراس تحللها بـغــل
فإن ولدت فحلا فللـه درهـا وإن ولدت بغلا فجاء به البغل
فانصرف الحجاج راجعا ولم يدخل عليها، ولم تكن علمت به، فأراد الحجاج
طلاقها، فأرسل لها عبد الله بن طاهر ومعه مائتى ألف درهم وهى التى كانت لها عليه،
وقال: يا ابن طاهر طلقها بكلمتين، ولا تزد عليهما، فدخل عبد الله بن طاهر عليها،
فقال لها: يقول لك أبو محمد الحجاج كنت فبنت، وهذه المائتا ألف درهم التى كانت لك
عنده، فقالت: إعلم يا ابن طاهر: أنا والله كنا فما حمدنا، وبنا فما ندمنا، وهذه
المائتا ألف درهم التى جئت بها بشارة لك بخلاصى من كلب بنى ثقيف. ثم بلغ أمير
المؤمنين عبد الملك بن مروان خبرها ووصف له جمالها، فأرسل إليها يخطبها، فأرسلت
إليه كتابا تقول فيه بعد الثناء عليه: اعلم يا أمير المؤمنين أن الإناء ولغ فيه
الكلب، فلما قرأ عبد الملك الكتاب ضحك من قولها وكتب إليها يقول: إذا ولغ الكلب فى
إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب، فاغسلى الإناء يحل الاستعمال، فلما قرأت
كتاب أمير المؤمنين لم يمكنها المخالفة، فكتبت إليه بعد الثناء عليه، يا أمير
المؤمنين والله لا أحل العقد إلا بشرط، فإن قلت ما هو الشرط؟ قلت: أن يقود الحجاج
محملى من المعرة إلى بلدك التى أنت فيها، ويكون ماشيا حافيا بحليته التى كان فيها
أولا، فلما قرأ عبد الملك ذلك الكتاب ضحك ضحكا شديدا، وأنفذ إلى الحجاج وأمره
بذلك، فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب وامتثل الأمر ولم يخالف، وأنفذ
إلى هند يأمرها بالتجهز، فتجهزت، وسار الحجاج فى موكبه حتى وصل المعرة بلد هند،
فركبت هند فى محمل الزفاف، وركب حولها جواريها وخدمها، وأخذ الحجاج بزمام البعير
يقوده ويسير بها فجعلت هند تتواغد عليه وتضحك مع الهيفاء، ثم إنها قالت للهيفاء: اكشفى
لى سجف المحمل، فكشفته، فوقع وجهها فى وجه الحجاج، فضحكت عليه، فأنشأ يقول:
فإن تضحكى منى فيا طول ليلة تركتك فيها كالقباء المفــرج
فأجابته هند تقول:
وما نبالى إذا أرواحنا سلـمـت بما فقدناه من مال ومن نشــب
فالمال مكتسب والعز مرتجــع إذا النفوس وقاها الله مـن عطب
ولم تزل كذلك تضحك وتلعب إلى أن قربت من بلد الخليفة، فرمت بدينار على
الأرض، ونادت: يا جمال إنه قد سقط منا درهم، فارفعه إلينا، فنظر الحجاج إلى الأرض،
فلم يجد إلا دينارا، فقال: إنما هو دينار، فقالت: بل هو درهم قال: بل دينار، فقالت:
الحمد لله سقط منا درهم، فعوضنا الله دينارا، فخجل الحجاج وسكت، ولم يرد جوابا، ثم
دخل بها على عبد الملك بن مروان، فتزوج به.
عرض وتلخيص
إبراهيم عوض
|