واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

أمثال وحكم

عذب الحديث

قصص

حروف اللغة من الجسد

حكى أن عبد الملك بن مروان جلس يوما وعنده جماعة من خواصه وأهل مسامرته، فقال: أيكم يأتينى بحروف المعجم فى بدنه وله علىّ ما يتمناه، فقام إليه سويد بن غفلة، فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين، قال: هات.

فقال نعم يا أمير المؤمنين: (أنف بطن ترقوة ثغر جمجمة حلق خد دماغ ذكر رقبة زند ساق شفة صدر ضلع طحال ظهر عين غبب فم قفا كف لسان منخر نغنوغ هامة وجه يد) وهذه آخر حروف المعجم، والسلام على أمير المؤمنين.

فقام بعض أصحاب عبد الملك، وقال: يا أمير المؤمنين أنا أقولها من جسد الإنسان مرتين، فضحك عبد الملك وقال لسويد: أسمعت ما قال؟ قال: أصلح الله الأمير أنا أقولها ثلاثا، فقال: هات ولك ما تتمناه، فابتدأ يقول: (أنف أسنان أذن، بطن بنصر بزة، ترقوة تمرة تينة، ثغر ثنايا ثدي، جمجمة جنب جبهة، حلق حنك حاجب، خد خنصر خاصرة، دبر دماغ درادير، ذقن ذكر ذراع، رقبة رأس ركبة، زند زردمة زب، فهناك ضحك عبد الملك حتى استلقى على قفاه، ساق سرة سبابة، شفة شفر شارب، صدر صدع صلعة، ضلع ضفيرة ضرس، طحال طرة طرف، ظهر ظفر ظلم، عين عنق عاتق، غبب غلصمة غنة، فم فك فؤاد، قلب قفا قدم، كف كتف كعب، لسان لحية لوح، منخرمرفق منكب، نغنوغ ناب نن، هامة هيئة هيف، وجه وجنة ورك، يمين يسار يافوخ) ثم نهض مسرعا، فقبل الأرض بين يدى أمير المؤمنين قال: فعندها ضحك عبد الملك وقال: والله ما تزيدنا عليها شيئا أعطوه ما يتمناه، ثم أجازه وأنعم عليه، وبالغ فى الإحسان إليه.

*********

ربط البيان بالقرآن

حكى أن القاضى الفاضل كان له صديق حميم، وكان صديقه هذا قريبا من الملك الناصر صلاح الدين، وكان فيه فضيلة تامة، فوقع بينه وبين الملك أمر، فغضب عليه وهم بقتله، فتسـحب إلى بلاد التتر، وتوصل إلى أن صار وزيرا عندهم، وصار يعرف التتر كيف يتوصل إلى الملك الناصر بما يؤذيه، فلما بلغه ذلك نفر منه وقال للفاضل: اكتب إليه كتابا عرفه فيه أننى أرضى عليه، وأستعطفه غاية الاستعطاف إلى أن يحضر، فإذا حضر قتلته واسترحت منه، فتحير الفاضل بين الاثنين، هذا صديقه يعز عليه وهذا الملك لا يمكنه مخالفته، فكتب إليه كتابا واستعطفه غاية الاستعطاف، ووعده بكل خير من الملك، فلما انتهى الكـتاب ختمه بالحمد لله والصلاة والـسلام على النبى صلى الله عليـه وسـلم وكتب إن شاء الله تعالى كما جرت به العادة فى الكتب، فشدد (أن) ثم أوقف الملك على الكتاب قبل ختمه، فقرأه فى غاية الكمال وما فـهم (أن) وكان قصد الفاضل ﴿أن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك﴾ فلما وصل الكتاب إلى الرجل فهمه، وكتب جوابه بأنه سيحضر عاجلا، فلما أراد أن ينهى الكتاب، ويكتب إن شاء تعالى مد (النون) وجعل فى آخرها ألفا وأراد بذلك ﴿إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيه﴾ فلما وصل الكتاب الى الفاضل فهم الإشارة، ثم أوقف الملك على الجواب بخطه، ففرح بذلك.

*********

بيان اللسان

دخل شـريك بن الأعور على معاوية وكان دميما، فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير من الدميم وإنك لشريك وما لله من شريك، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور، فكيف سُدت قومك؟ فقال له: إنك معاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك لابن صخر، والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنـين؟ ثم خرج وهو يقول:

أيشتمنى معاوية بن حـرب     وسيفى صارم ومعى لسانى

وحولى من ذوى يزن ليوث     ضراغمة تهش إلى الطعان

يعير بالدمامة من سـفـاه     وربات الحجال من الغوانى

نفحات وعبر

قال يهودى للإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه: ما لكم لم تلبثوا بعد نبيكم إلا خمس عشرة سنة حتى تقاتلتم؟!! فقال له الإمام على كرم الله وجهه: ولِم أنتم لم تجف أقدامكم من البلل حتى قلتم يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة؟!!

*********

فراسة العالم الفقيه

حكى الربيع بن سليمان عن الإمام الشافعى رضى الله عنه عندما كان عنده وجاءه رجل برقعة، فنظر فيها وتبسم ثم كتب فيها ودفعها إليه، وهذا الرجل كان يسأل الإمام الشافعى عن مسألة لم ننظر فيها ولا فى جوابها؟ فلحقنا الرجل وأخذنا الرقعة فقرأناها، وإذا فيها:

سل المفتى المكى هل فى تزاور ���� وضمة مشتاق الفؤاد جناح

فأجابه الإمام الشافعى قائلا:

معاذ الله أن يذهب التقـــى ������ تلاصق أكباد بهن جـراح

قال الربيع: فأنكرت على الشافعى أن يفتى لحدث بمثل هذا، فقلت: يا أبا عبد الله تفتى بمثل هذا شابا؟ فقال لى: يا أبا محمد هذا رجل هاشمى قد عرس هذا الشهر يعنى شهر رمضان وهو حدث السن، فسأل: هل عليه جناح أن يقبل أو يضم من غير وطء؟ فأفتيته بهذه الفتيا.

قال الربيع: فتبعت الشاب، فسألته عن حاله، فذكر لى مثل ما قال الإمام الشافعى، فما رأيت فراسة أحسن منها.

*********

حب آل محمدصلى الله عليه وسلم

قال الإمام الشافعــى

 

أمثال وحكم

فصاحة

قيل: إن جارية عرضت على الرشيد ليشتريها، فتأملها وقال لمولاها: خذ جاريتك، فلولا كلف بوجهها وخنس بأنفها لاشتريتها، فلما سمعت الجارية مقالة أمير المؤمنين قالت مبادرة: يا أمير المؤمنين اسمع منى ما أقول، فقال: قولى، فأنشدت تقول:

ماسلم الظبى على حسنــه       كلا ولا البدر الذى يوصف

الظبى فيه خنس بـيــن        والبدر فيه كلف يعــرف

فعجب أمير المؤمنين من فصاحتها وأمر بشرائها.

وعرضت على المأمون جارية بارعة الجمال فائقة فى الكمال، غير أنها كانت تعرج برجلها، فقال لمولاها: خذ بيدها وارجع، فلولا عرج بها لاشتريتها فقالت الجارية: يا أمير المؤمنين إنه فى وقت حاجتك لا يكون بحيث تراه، فأعجبه سرعة جوابها وأمر بشرائها.

*********

كان أحد ظرفاء العرب واسمه (كريم) فمر يوما تحت جوسق ببستان، فرأى جارية ذات وجه زاهر وكمال باهر، لا يستطيع أحد وصفها، فلما نظر إليها ذهل عقله وطار لبه، فعاد إلى منزله وأرسل إليها هدية نفيسة مع عجوز كانت تخدمه، وكتب إليها رقعة يعرض إليها بالزيارة فى جوسقها، فلما قرأت الرقعة قبلت الهدية، ثم أرسلت إليه مع العجوز عنبرا، وجعلت فيه زر ذهب، وربطت ذلك على منديل، وقالت للعجوز: هذا جواب رقعته، فلما رأى (كريم) ذلك لم يفهم معناه، وتحير فى أمره، وكانت له ابنة صغيرة السن، فلما رأت أباها متحيرا فى ذلك قالت له: يا أبت أنا علمت معناه قال: وما هو لله درك؟ قالت:

أهدت لك العنبر فى جوفـه         زر من التبر خفـى اللحـام

فالزر والعنبر معناهمـــا          زُر هكذا مختفيا فى الظلام

قال: فعجب من فطنتها وفصاحتها واستحسن ذلك منها.

*********

دخل عقيل على معاوية وقد كف بصره، فأجلسه معه على سريره ثم قال له: أنتم معشر بنى هاشم تصابون فى أبصاركم، فقال له عقيل: وأنتم معشر بنى أمية تصابون فى بصائركم.

*********

قال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يفرقع، فقال له: لا تخف فإنه يسبح، فقال له الرجل: إنى أخاف أن تدركه رقة فيسجد.

*********

قال ملـك لوزيره: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به، قال: فإن عدمه، قال: أدب يتحلى به، قال: فإن عدمه؟ قال: مال يستره، قال: فإن عدمه؟ قال: فصاعقة تحرقه وتريح منه العباد والبلاد.

*********

أسرت طيئ غلاما من العرب، فقـدم أبوه ليفديه، فاشتطوا عليه، فقال أبوه: والذى جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبل طيئ ما عندى غير ما بذلته ثم انصرف، وقال: لقد أعطيت ابنى كلاما إن كان فيه خير فهمه، فكأنه قال له إلزم الفرقدين يعنى فى هروبك على جبل طيئ، ففهم الابن ما أراده أبوه وفعل ذلك فنجى.