السيدة فاطمة الزهراء
رضي الله عنها 2
استكمالا للحديث حول السيدة الطاهرة الزهراء بضعة قلب المصطفى صلى الله
عليه وسلم وفيما رواه الطبرانى وصح عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن جاء الصديق أبو
بكر رضى الله عنه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه وطلب زواجه بالسيدة
فاطمة، وقد أعرض عنه صلوات ربى وسلامه عليه، فرجع الصديق إلى الإمام عمر فقال له:
إنه ينتظر أمر الله فيها، ثم فعل عمر ذلك، فأعرض عنه، فرجع إلى أبى بكر فقال: إنه
ينتظر أمر الله فيها، انطلق بنا إلى علىّ نأمره أن يطلب مثل ما طلبنا، قال علىّ
فأتيانى فقالا: بنت عمك تخطب، فنبهانى لأمر، فقمت أجر ردائى طرفه على عاتقى وطرفه
الآخر فـي الأرض، حتى انتهيت إليه، فقعدت بين يديه فقلت: قد علمت قدمى فـي الإسلام
ومناصحتى، حتى قال تزوجنى فاطمة، قال: وما عندك؟ قال: فرسى وبدنى، قال: أما فرسك،
فلابد لك منه، وأما بدنك فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما، فأتيته بها،
فوضعها فـي حجره، فقبض منها قبضة، فقال: يا بلال، ابتع طيبا، وأمرهم أن يجهزوها،
فعجل لها سريرا مشروطا، ووسادة من أدم حشوها ليف، وقال: آت أهلك فلا تحدث بها حتى
آتيك، فجاءت مع أم أيمن، فقعدت فـي جانب البيت، وأنا فـي الجانب الآخر، فجاء النبى
صلى الله عليه وسلم فقال: هاهنا أخى؟ قالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك؟! فقال
لفاطمة: آتينى بماء، فقامت إلى قعب فـي البيت فجعلت فيه ماء، فأتته به، فمج فيه، ثم
قال: قومى، فنضح بين يديها، وعلى رأسها، وقال: اللهم إنى أعيذها بك وذريتها من
الشيطان الرجيم، ثم قال: آتينى بماء، فعلمت الذى يريده، فملأت القعب فأتيته به،
فأخذ منه بفيه، ثم مجه فيه، ثم صب على رأس علىّ وبين قدميه ثم قال: ادخل على أهلك
باسم الله.
وعن أنس رضى الله عنه أيضا: أن عمر أتى أبا بكر فقال: ما منعك أن تتزوج
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا يزوجنى! قال: إذا لم يزوجك فمن
يزوج؟! وإنك من أكرم الناس وأقدمهم إسلاما، فانطلق أبو بكر إلى عائشة رضى الله عنها
فقال: إذا رأيت من محمد طيب نفسك به وإقبالا أى عليك فاذكرى له: أنى ذكرت فاطمة
فلعل الله أن ييسرها لى، فرأت منه طيب نفس وإقبالا، فذكرت ذلك له فقال: حتى ينزل
القضاء.
فرجع إليها أبو بكر فقالت: ما أتاه، ووددت أنى لم أذكر له ما ذكرت.
فلقى أبو بكر عمر، فذكر لهما ما أخبرته عائشة، فانطلق عمر إلى حفصه
وقال: إذا رأيت منه طيب نفس وإقبالا، فاذكرينى له، واذكرى فاطمة لعل الله ييسرها
لى.
فرأت منه إقبالا وطيب نفس فذكرت له، فقال: حتى ينزل القضاء� فأخبرته وقالت: وددت أنى لم أذكر له شيئا!! فانطلق
عمر إلى على وقال: ما يمنعك من فاطمة؟! قال: أخشى أن لا يزوجنى! قال: إن لم يزوجك
فمن؟ أنت أقرب خلق الله إليه، فانطلق على إليه، ولم يكن له مقل، قال: إنى أريد أن
أتزوج فاطمة، قال: فافعل، قال: ما عندى إلا درعى الحطميّة، قال: فاجمع له ما قدرت،
وائتنى به، فباعها بأربعمائة وثمانين، فأتاه بها، فزوجه فاطمة، فقبض ثلاث قبضات،
فدفعها إلى أم أيمن فقال: اجعلى منها قبضة فـي الطيب، والباقى فيما يصلح للمرأة من
المتاع، فلما فرغت من الجهاز، وأدخلتها بيتا قال: يا على، لا تحدثن إلى أهلك شيئا
حتى آتيك، فأتاهم، فإذا فاطمة متعففة وعلى قاعد وأم أيمن، فقال: يا أم أيمن، آتينى
بقدح من ماء، فأتته به، فشرب، ثم مج فيه، ثم ناوله فاطمة، فشربت، وأخذ منه، فضرب
جبينها وبين قدميها، وفعل بعلى مثل ذلك ثم قال: اللهم أهل بيتى، فأذهب عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا، رواه البزار.
وعن ابن عباس قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا
يذكرها أحد إلا صد عنه فيئسوا منها، فلقى سعد بن معاذ فقال: إنى والله ما أراه
يحبسها إلا عليك، فقال: ما أنا بأحد الرجلين.
ما أنا بصاحب دنيا يلتمسها منى وقد علم: مالى صفراء ولا بيضاء، وما أنا
بالكافر الذى يترفق بها عن دينه، يعنى مبالغة بها، إنى لأول من أسلم.
فقال سعد: عزمت عليها لتفرجها عنى، فإن لى فـي ذلك فرجا ماذا أقول؟! قال:
تقول: جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله. فقال النبى من كلمة ضعيفة، ثم رجع إلى سعد،
فقال له: لم يزد على أن رحب بى، كلمة ضعيفة.
قال: أنكحك.
والذى بعثه بالحق إنه لا خلف ولا كذب عند، أعزم عليك، فلتأتينه غدا،
فأتاه، فقال: يا نبى الله، متى؟ قال الليلة: إن شاء الله. ثم دعا ثلاثا، فقال: زوجت
ابنتى ابن عمى، وأنا أحب أنى كون سنة أمتى الطعام عند النكاح فخذ شاة، وأربعة
أمداد، واجعل قصعة اجمع عليها المهاجرين والأنصار، فإذا فرغت فآذنى. ففعل، ثم أتاه
بقصعة فوضعها بين يديه، فطعن فـي رأسها وقال: أدخل الناس رفة بعد رفة فجعلوا يردون
كلما فرغت رفة، وردت أخرى حتى فرغو. ثم عمد إلى ما فضل منها، فتفل فيها، فوضعها بين
يديه، وبارك، وقال: احملها إلى أمهاتك، وقل لهن: كلن وأطعمن من غشيكن، ثم قام فدخل
على النساء فقال: زوجت بنتى ابن عمى، وقد علمتن منزلها منى، وأنا دفعها إليه،
فدونكم، فقمن فطيبنها من طيبهن وألبسنها من ثيابهن، وحليهن.
فدخل، فلما رأته النساء ذهبن، وتخلقت أسماء بنت عميس.
فقال: على رسلك من أنت؟ قالت: على رسلك من أنت؟ قالت: أنا التى أحرس
ابنتك.
إن الفتاة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة قريبة منها إن عرضت لها
حاجة، أو أرادت أمرا أفضت إليها به.
قال: فإنى أسأل إلاهى أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وشمالك
من الشيطان الرجيم ثم خرج بفاطمة، فلما رأت عليا بكت، فخشى المصطفى أن يكون بكاؤها
أن عليا لا مال له! فقال: ما يبكيك؟! ما ألومك فـي نفسى، وقد أصبت لك خير أهلى،
والذى نفسى بيده، لقد زوجتك سيدا فـي الدنيا وفـي الآخرة لمن المصلحين.
فدنا منه..قال آتينى بالمخضب فأميليه.
فأتت أسماء به فمج فيه، ثم دعا فاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب على رأسها
وبين قدميها، ثم التزمها فقال: اللهم، إنها منى، وإنى منه. اللهم كما أذهبت عنى
الرجس وطهرتنى فطهرها.
ثم دعا بمخضب آخر فصنع بعلى كما صنع بها ثم قال: قوما، جمع الله
شملكما، وأصلح بالكم. ثم قام وأغلق عليهما بابه.
رواه الطبرانى بإسناد ضعيف وعن بريدة قال: قال نفر من الأنصار لعلى: عندك
فاطمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حاجة ابن أبى طالب؟ فقال: ا
رسول الله، ذكرت فاطمة فقال: مرحبا وأهلا!. لم يزد عليه. فخرج على بن أبى طالب
إلى رهط من الأنصار ينتظرونه. فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدرى..غير أنه قال: مرحبا
وأهلا قالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما: أعطاك الأهل والمرحب،
فلما كان بعد ما زوجه قال: يا على، إنه لا بد للعروس من وليمة.
قال سعد رضى الله عنه: عندى كبش، وجمع له الأنصار أصوعا من ذرة، فلما
كان ليلة البناء، قال: لا تحدث شيئا حتى تلقانى! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على فقال: ؟اللهم بارك فيهما وبارك لهما فـي بنائهما؟.
رواه الطبرانى بإسناد صحيح هل هناك تعارض بين الأحاديث؟ ولا يعارضه ما
سبق: أن الذى نبهه لذلك العمران.
محمد سيد
باب� التوبة 5
ينبغى أن تكون التوبة على قدر الذنب، وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما
فى معنى قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا﴾ قال: التوبة
النصوح الندم بالقلب والاستغفار باللسان والإضمار أن لا يعود إليه أبدا، وعن النبى
صلى الله عليه وسلم أنه قال المستغفر باللسان المصر على الذنوب كالمستهزئ بربه،
وذكر عن السيدة رابعة رضى الله عنها أنها كانت تقول: إن استغفارنا يحتاج إلى
استغفار كثير: يعنى إذا استغفر باللسان ونيته أن يعود إلى الذنب فإن توبته توبة
الكذابين، وهذه لا تكون توبة وإنما التوبة أن يستغفر باللسان وينوى أن لا يعود إلى
الذنب، فإذا فعل ذلك غفر الله له ذنبه وإن كان عظيما، وذكر أنه كان فى بنى إسرائيل
ملك فوصف له رجل من العباد فدعاه وراوده على صحبته ولزوم بابه، فقال له العابد أيها
الملك حسنا ما تقول، ولكن لو دخلت يوما بيتك فوجدتنى ألعب مع جاريتك ماذا كنت تفعل؟
فغضب الملك وقال يا فاجر أتجترئ على بمثل هذا، فقال له العابد إن لى ربا كريما لو
رأى منى سبعين ذنبا فى اليوم ما غضب على ولا طردنى عن بابه ولا أحرمنى رزقه، فكيف
أفارق بابه وألزم باب من يغضب على قبل أن أغضبه، فكيف لو رأيتنى فى المعصية ثم خرج،
والذنب على وجهين: ذنب فيما بينك وبين الله تعالى، وذنب فيما بينك وبين العباد، أما
الذنب الذى بينك وبين الله تعالى فتوبته الاستغفار باللسان والندم بالقلب والإضمار
على أن لا تعود، فإن فعل ذلك لا يبرح من مكانه حتى يغفر الله له إلا أن يترك شيئا
من الفرائض فلا تنفعه التوبة ما لم يقض ما فاته ثم يندم ويستغفر، وأما الذنب الذى
بينك وبين العباد فما لم ترضهم لا تنفعك التوبة حتى يحللوك، وروى عن بعض التابعين
رضى الله تعالى عنهم أنه قال: إن المذنب يذنب فلا يزال نادما مستغفرا حتى يدخل
الجنة فيقول الشيطان يا ليتنى لم أوقعه فيه، وذكر عن أبى بكر الواسطى أنه قال:
التأنى فى كل شىء حسن إلا فى ثلاث خصال: عند وقت الصلاة وعند دفن الميت والتوبة عند
المعصية، وقال بعض الحكماء: إنما تعرف توبة الرجل فى أربعة أشياء، أحدها أن يمسك
لسانه من الفضول والغيبة والكذب، والثانى أن لا يرى لأحد فى قلبه حسدا ولا عداوة،
والثالث أن يفارق أصحاب السوء، والرابع أن يكون مستعدا للموت نادما مستغفرا لما سلف
من ذنوبه مجتهدا على طاعة ربه، وقيل لبعض الحكماء هل للتائب من علامة يعرف أنه قبلت
توبته؟ قال نعم علامته أربعة أشياء، أولها أن ينقطع عن أصحاب السوء ويريهم هيبة من
نفسه ويخالط الصالحين، والثانى أن يكون منقطعا عن كل ذنب ومقبلا على جميع الطاعات،
والثالث أن يذهب فرح الدنيا كلها من قلبه ويرى حزن الآخرة كلها دائما فى قلبه،
والرابع أن يرى نفسه فارغا عما ضمن لله تعالى له من الرزق مشتغلا بما أمر به، فإذا
وجدت فيه هذه العلامات فهو من الذين قال الله تعالى فى حقهم ﴿إن الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين﴾ ووجب له على الناس أربعة أشياء: أولها أن يحبوه فإن الله تعالى قد
أحبه، والثانى أن يحفظوه بالدعاء على أن يثبته الله على توبته، والثالث أن لا
يعيروه بما سلف من ذنوبه، والرابع أن يجالسوه ويذاكروه ويعينوه، ويكرمه الله تعالى
بأربع كرامات: أحدها أن يخرجه الله تعالى من الذنوب كأنه لم يذنب قط، والثانى أن
يحبه الله تعالى، والثالث أن لا يسلط عليه الشيطان ويحفظه منه، والرابع أن يؤمنه من
الخوف قبل أن يخرج من الدنيا لأنه عز وجل قال ﴿تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا
تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون﴾ وروى عن خالد بن معدان أنه قال: إذا دخل
التوابون الجنة قالوا ألم يعدنا ربنا أن نرد النار قبل أن ندخل الجنة؟ قيل لهم إنكم
مررتم بها وهى خامدة، وروى الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه رجم امرأة زنت ثم
صلى عليها، فقال له بعض الصحابة يا رسول الله رجمتها وصليت عليها؟ فقال لقد تابت
توبة لو فعلت مثل ذلك سبعين مرة تاب الله عليها، أى أن توبتها كانت حقيقية والتوبة
إذا كانت حقيقية تقبل وإن كان الذنب عظيما، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال من عير مؤمنا بفاحشة فهو كفاعلها وكان حقا على الله أن يوقعه فيها، ومن عير
مؤمنا بجريمة لم يخرج من الدنيا حتى يرتكبها ويفتضح بها، وأن المؤمن لا يقصد أن يقع
فى الذنب ولا يتعمده لأن الله تعالى قال ﴿وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾ فأخبر
أنه قد بغض إلى المؤمنين المعصية فلا يتعمدها المؤمن ولكن يقع فيها فى حالة الغفلة
فلا يجوز أن يعبر بها إذا تاب، وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: إذا
تاب العبد تاب الله عليه وأنسى الحفظة ما كانوا كتبوا من مساوئ عمله، وأنسى جوارحه
ما عملت من الخطايا وأنسى مقامه من الأرض، وأنسى مقامه من السماء ليجىء يوم القيامة
وليس شىء من الخلق يشهد عليه بذلك، وروى عن الإمام على كرم الله وجهه عن النبى صلى
الله عليه وسلم أنه قال: مكتوب حول العرش قبل أن يخلق الخلق بأربعة آلاف عام ﴿وإنى
لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى﴾.
عبد المجيد إبراهيم عبد المجيد
|