|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
50 |
هذا وقد سئل صلى الله عليه وسلم بعد أن أنزل الله عز وجل قوله تعالى ﴿قل
لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى﴾ من آل بيتك يا رسول الله الذين أوجب
الله تعالى علينا حبهم وودهم فقال (فاطمة وعلي وما تناسل منهما) هذا ولما أنزل
الله تعالي في شأن سيدنا عيسى عليه السلام النيف والسبعين آية الواردة في قوله
تعالى ﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم﴾ الآية قالوا من الغد يا محمد فلما
غدوا من الغد خرج صلى الله عليه وسلم وبيده الحسن وبالأخرى الحسين، وخلفه فاطمة
وخلفهما علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين فعرف الناس أن هؤلاء هم أهل البيت، وإليك
ما رواه الترمذي عن أنس بن مالك أنه أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة
يمانية واسعة فلبسها صلى الله عليه وسلم يوماً وأراد الخروج، فجاء الحسن يجري فدخل
تحتها وجاء الحسين يجري فدخل تحتها فجاءت فاطمة فدخلت تحتها وجاء علي فدخل تحتها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد
مجيد) هذه الأدلة تثبت لك أنه لا يوجد ولي لله تعالى يجري الله تعالى على يديه خرق
العادات والنعم بإظهار الكرامات إلا وهو من آل البيت رضوان الله تعالى عليهم
أجمعين. وناهيك بما رواه الأئمة الثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه وعن ابن عباس
رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحبوا الله لما
يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا آل بيتي لحبي) أفلم يكن هذا أكبر دليل
على حث عباد الله الصالحين المؤمنين على حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
وودهم، أو لم تكن الزيارة لهم أحياء وأمواتاً حباً وود. وهل الزائر لهم المحب
يكون مشركاً؟ قل لهؤلاء الذين ينكرون بيان الله تعالى لعباده على لسان حضرته صلى
الله عليه وسلم ويكرهون رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطيبين الطاهرين.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبهم وودهم ودوام عطفهم وأن يحشرنا في زمرتهم وكل محب
لهم إكراماً لمن أرسله رحمة للعالمين.
القباب التي على القبور
يقولون في القباب التي على القبور إنها بدعة ضلالة ولا أصل لها في
الدين ولا بيان سيد العالمين. قولهم هذا زور وبهتان. أيرضى علماء المسلمين عن فعل
منكر في الدين أو على شيء لم يرضه الذي أوكل الله تعالى إلى حضرته البيان والتبيين
في دينه المبين وكيف ذلك والله تعالى جعل لعباده المحترمين في الدنيا الميزة
والتمييز عن سائر أقرانهم حتى في أسفارهم بأن تكون لهم القباب على المحامل وإذا
أوضعوها فلا يجلسون إلا تحتها ولا يعرف العظيم في القوم من غيره إلا بجلوسه تحتها
فصارت علامة على من مات منهم ليميز بها عن غيره أيضاً بعلامة يعرف وقد جاء في
الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ضعوا لي على قبر صاحبكم
علامة) وهو سيدنا سعد بن عبادة الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم (اهتز العرش لموت
سعد) وهو الذي ارتضاه يهود خيبر أن يكون حكماً بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وبعد أن حكم قال فيه صلى الله عليه وسلم (إن حكمك هذا نزل من فوق سبع سماوات)
فهذا العظيم لما مات وكان حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لمودعيه إلى مدفنه
بالبقيع (ضعوا على قبر صاحبكم علامة) فصار الأمر من ذلك الحين وضع علامة على قبر
العظماء ليميزوا بها عن غيرهم ثم إن أول من أحدث القبلة على القبة الفاطميون وهم
من خيرة تابعي التابعين وهم من التابعين وهم من الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم
(خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) واعلم أن الأمر ما ساد وما
اتبع إلا من بيانه الشريف في شأن سيدنا سعد وقد رأوا أنه لا يوجد أعظم من حضرته
صلى الله عليه وسلم فعلموا لحضرته ما يكون أعظم مميز له. ودأب الناس على ذلك حتى
ترقوا في وضع العلامة على القبر بأن يكتب عليها اسم صاحب القبر وزاد الكثير من
الناس ذكر شيء من مميزاته التي كان عليها في الدنيا حتى توسعوا إلى وصلوا إلى ما
تراه الآن.
فالقباب إن لم يكن فيها إلا قراءة الفاتحة والترحم على من تحتها لكفى،
وهي لبيان فضل العظماء في الدين والدنيا والآخرة، ولا شيء فيها إلا ما ذكرنا
-فالمنكرون والمعارضون لاحظ لهم إلا الحسد لعباد الله الذين أنعم الله تعالى عليهم
حتى استحقوا تلك الميزة.
ويا ليتهم اقتصروا على ذلك، بل يبخلون بالترحم وقراءة الفاتحة لصاحب
القبة مع أن الله تعالى أبان لنا في كتابه العزيز بأن تعالى يرحم الكافر لوجود
العبد الصالح في بلده- قال تعالى- رداً على سيدنا إبراهيم لما جادل الملائكة بقوله:
أتهلكون قرية بها أربعون صالحاً؟ قالوا لا- قال وثلاثون؟ قالوا: لا، قال: وعشرون،
قالوا: لا، قال: وعشرة، قالوا: لا، قال: وواحد، قالوا: لا ﴿إن فيها لوط﴾ الآية.
والله أعلم.
القبور في المساجد
غير خاف أن كل من جعله الله تعالى مخالفاً لإجماع المسلمين ينكر على
دفن الأموات في المساجد بل لا يصلي في مسجد فيه قبر ميت. زعماً منه أن الميت في
المسجد كالصنم في اعتقادهم الفاسد، وزعمهم الباطل، قائلين إنه مات وانتهى، وهي
عقيدة اليهود والنصارى كما قال تعالى مبيناً لنا عقيدتهم في الأموات ﴿يا أيها
الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار
من أصحاب القبور﴾ مع أن الله تعالى بين لنا سبحانه أن الكافر في قبره أحيا من حي
الدنيا كما بيناه من الكتاب العزيز والسنة المطهرة ولما كان حالهم المخالفة، لم
يرشدهم الحق سبحانه إلى الصواب أبداً كما قال تعالى في أسلافهم المعارضين لسيد
العالمين ﴿وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبد﴾ بل يعتقدون أن الصلاة
بالمسجد الذي فيه ضريح باطلة وبعضهم يقول: صلي ولا تجعل القبر أمامك وهل المصلي
يقول الله أكبر أم (القبر أكبر) ما أجهلهم؟ أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي والسيدة عائشة معروضة أمامه كالجنازة، فإذا سجد غمزها في رجلها فتقبضها،
وإذا رفع مدتها، الحديث يرويه البخاري وغيره، وهل الذي على وجه الأرض أبين أم الذي
تحت التراب؟ نقول لهم (إن دفن الأموات في المساجد سنة لله تعالى قديمة قبل ظهور
سيد العالمين ودعوته العباد لتوحيد رب العالمين). ومن العجيب أن السبكية منهم وأن
شيخهم قد كون جماعة من العلماء قاموا بشرح سنن أبي داود أحد الكتب الصحاح الستة
وهو -أي أبو داود- يروي في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما بين
زمزم والحطيم تسعون نبياً موتى) فهم يتركون بيان سيد العالمين ويتبعون الوهابية
الذين أعماهم الله تعالى جميعاً عن فهم حقائق الدين وما جاء فيه من أنواع التبيين
وما جاء عن الأنبياء والمرسلين الذين أهلك الله أقوامهم وكانوا يرحلون إلى مكة
ويقيمون في البيت الحرام حتى إذا ما انتهى أجل أحدهم دفن حيث تخرج روحه فكلهم
كانو. وقد قال سيد العالمين صلى الله عليه وسلم: (نحن معشر الأنبياء ندفن حيث
تخرج أرواحنا) وها هو حضرته صلى الله عليه وسلم كان كذلك ودفن في بيت عائشة رضي
الله تعالى عنها، ودفن معه الصديق رضي الله عنه وإن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه
لما أصابه ما كان سبباً في موته أرسل ابنه عبدالله إلى السيدة عائشة رضي الله
تعالى عنها يستأذنها في دفنه مع صاحبيه- قالت: نعم، إني استأذنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن أدفن معهما فقال (ما هو إلا موضعي وصاحبي وعيسى بن مريم) فدفن
عمر معهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تزور
النبي صلى الله عليه وسلم ووالدها رضي الله عنه في قبرهما وهي مكشوفة الوجه، ولما
دفن عمر رضي الله عنه معهما كانت تزورهم مقنعة، أفلايعتبر هؤلاء من حياة أصحاب
القبور. بل ولا من بناء مسجد حضرته صلى الله عليه وسلم فوق قبور المشركين؟ والحديث
يرويه البخاري وغيره (أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالعظام
فغطيت وأسس مسجده الذي أسس على التقوى) وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم (ما بين
قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي) الحديث وأيضاً قوله الشريف صلى
الله عليه وسلم (ما أضيف إلى مسجدي فهو مسجدي) وذلك أنه صلى الله عليه وسلم علم
بأسرار الوحي أنه سيضاف إلى مسجده ما سيضاف إليه شيئاً فشيئاً حتى صار كما هو عليه
الآن - فقد تحقق قوله الشريف.
المعروف أنه أضيف إليه الكثير حتى أصبح القبر الشريف محاطاً بالمصلين،
أو لم يكفهم هذا؟ وهذه هي الأماكن المقدسة المطهرة المدفون بها الكثير من الأموات
والمسلمون يصلون فيها قديماً وحديثاً أفلا يقتدي بها وبهم، فالقبور في المساجد سنة
الله في خلقه لما بينا من الأدلة (ولن تجد لسنة الله تبديلا).
السابق
|