أهـل البـيـت
لولا هواهم في القلوب وفي الحشا مـا ذاق قلـب لـذة الإيـمـان
قال تعالى ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فـي القربى﴾ ذكر صاحب
المواهب أن المراد بالقربى من ينسب إلى جده الأقرب عبد المطلب، وقيل فـي الصواعق أن
المراد بأهل البيت والآل وذوى القربى فـي كل ما جاء فـي فضلهم أنهم مؤمنى بنى هاشم،
وجاء فـي التفسير: لا أسألكم عليه أجرا أبدا أى إنى لا أريد منكم أجر ولكن أريد لكم
الأجر وهو أن تودونى فـي قرابتى.
�وقد روى الإمام مسلم والنسائى عن زيد بن أرقم
أنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فـي الناس فقال (أذكركم الله فـي
أهل بيتى، ثلاثا) فقيل لزيد بن أرقم: من أهل البيت؟ قال: من حرم الصدقة بعده، فقيل:
من هم؟ قال: آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس، وفـي الصواعق أيضا: أن المراد
بالبيت فـي الآية الكريمة ما يشتمل بيت نسب النبى صلى الله عليه وسلم وبيت سكناه،
فتشتمل الآية على أزواجه صلوات ربى وسلامه عليه وهو ما ذكره الزمخشرى والبيضاوى،
وقد روى جماعة من أصحاب السنن عن عدد من الصحابة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (مثل
أهل بيتى كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وفـي رواية (غرق) وفـي أخرى (زج
فـي النار) وفـي رواية عن أبى ذر سمعته صلى الله عليه وسلم يقول (إجعلوا أهل بيتى
منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس ولا تهتدى إلا بالعينين) وعن زيد
بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه فقال (أيها
الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتنى رسول ربى عز وجل -يعنى الموت- فأجيبه وإنى
تارك فيكم ثقلين -والثقل هو الشئ النفيس- كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا
بكتاب الله عز وجل وخذوا به، وأهل بيتى، أذكركم الله فـي أهل بيتى، أذكركم الله
فـي أهل بيتى، أذكركم الله فـي أهل بيتى) وفـي رواية أخرى للإمام أحمد (إنى أوشك
أن أدعى فأجيب وإنى تارك فيكم ثقلين، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض
وعترتى أهل بيتى وإن اللطيف الخبير أخبرنى أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض يوم
القيامة، فانظروا بما تخلفوننى فيهما) وقال تعالى ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا
تفرقو﴾ وروى عن سيدنا جعفر الصادق أنه قال: زنحن حبل اللهس أى المراد نحن أهل
البيت حبل الله، وروى الإمام الديلمى فـي مسند الفردوس مرفوعا: سميت فاطمة فاطمة
لأن الله فطمها ومحبيها عن النار، وفيما أخرج السلفى عن سيدى محمد بن الحنفية فـي
تفسير قوله عز وجل ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ود﴾ أنه قال:
لا يبقى مؤمن إلا وفـي قلبه ودا لعلىّ وأهل بيته، وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال
(إلزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقى الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا،
والذى نفسى بيده لا ينفع عبد عمله إلا بمعرفة حقنا) وصح أن سيدنا العباس عم النبى
صلى الله عليه وسلم شكا للرسول صلى الله عليه وسلم ما تفعل قريش من تعبيسهم فـي
وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا
حتى احمر وجهه ودر عرق بين عينيه وقال (والذى نفسى بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان
حتى يحبكم لله ولرسوله) وفـي هذا المقام يقول الإمام الشافعى رضى الله عنه:
يا آل بيت رسول الله حـبـكـم فرض من الله فـي القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنـكـم من لم يصل عليكم لا صلاة لـه
ولنا وقفة هنا أمام ما قاله الإمام الشافعى رضى الله عنه وهو أنه أشار
لنا بالبيتين السابقين أن حكم محبة آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم (فرض) وعندما
يقول الإمام الشافعى رضى الله عنه كلمة (فرض) ليس كأى إنسان آخر فهو واحد من أئمة
المذاهب الأربعة ومعنى الفرض فـي مذهبه: هو مايثاب على فعله ويعاقب على تركه، فكأن
الإمام الشافعى رضى الله عنه يريد أن يقول لنا أن آل بيت النبى محبتهم فريضة من
الله عز وجل علينا وليست من النوافل التى إن فعلها الشخص أثيب على فعلها وإن لم
يفعلها لا يعاقب عليها، وروى الديلمى والطبرانى وأبو الشيخ وابن حبان والبيهقى
مرفوعا أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون
عترتى أحب إليه من عترته، وأهلى أحب إليه من أهله، وذاتى أحب إليه من ذاته) وقد ذكر
المصطفى صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث فـي قريش أيضا منها (لا تذموا قريشا
فتهلكوا ولا تخلفوا عنها فتضلوا ولا تعلموها وتعلموا منها فإنها أعلم منكم، لولا أن
تبطر قريشا لأعلمتها بالذى لها عند الله عز وجل) وروى الإمام أحمد فـي مسنده أن
النبى صلى الله عليه وسلم قال (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتى أمان
لأمتى من الفرق والإختلاف) وفـي رواية أخرى (إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا
ذهب أهل بيتى ذهب أهل الأرض).
وقال فـي ذلك الإمام فخر الدين رضى الله عنه:
نعت الأماجد كالنجوم ونـورهـا بهم اهتدى من ضل فـي الوديان
عصام مقبول
الصراط المستقيم
أيها السالكون ما الحب سهل قد هديتم صراطكم فاستقيموا
يطالعنا صاحب النظم الفريد الإمام فخر الدين رضى الله عنه بدرة من درر
ديوانه (شراب الوصل) والتى تزف إلينا أعظم بشرى تقع على سمع كل مسلم، وهذه الدرة
تتألف من (9) كلمات ورقم هذا البيت فـي القصيدة الثانية عشر (7) وهو إشارة إلى
الآية رقم (7) من فاتحة الكتاب والتى عدد كلماتها (9) كلمات أيضا، وهى الآية
الكريمة ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ ونحمد الله تعالى
ونشكره أن هدانا صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وهذا الصراط الذى اعترف إبليس قائلا للمولى عز وجل ﴿رب
بما أغويتنى لأزينن لهم فـي الأرض ولأغوينهم أجمعينv إلا عبادك منهم المخلصينv قال هذا صراط علىَّ مستقيم﴾ وفـي قراءة ﴿علىُّ مستقيم﴾ فما أحوجنا بل
ما أحوج أمة الإسلام أن يهتدوا بهدى عبد من عباد الله المخلَصين الذين لم يخلصوا
فـي العبادة فحسب بل أخلصهم الله له وعناهم وحفظهم بعنايته من تزيين الشيطان
وإغوائه وذلك حتى تكون دعواهم حق وحقيقة لم تلبس بشئ من الباطل ليصفى توحيدهم ويسلم
مريديهم من الشرك والضلال.
ففى كل صلاة مفروضة أم نافلة نتضرع إلى الله أن يهدينا الصراط
المستقيم المنعوت بصراط الذين الذين أنعم الله عليهم، فالمطلوب دائما هو الفوز
بالقرب الإلهى عن طريق واحد من الذين أنعم الله عليهم فيتم من الله تعالى رضاه
علينا عندما نداوم على عبادته وطاعته وهذا لا يتأتى إلا عن طريق عبد صالح حفظه
الله بعنايته حتى يرشدنا إلى ما يحبه الله ورسوله وفـي ذلك المعنى يخبرنا المولى
تبارك وتعالى فـي سورة الحجر على لسان إبليس ﴿قال رب بما أغويتنى لأزينن لهم فـي
الأرض ولأغوينهم أجمعين (39) إلا عبادك منهم المخلصين (40)﴾ أى أن إبليس اللعين
يعلم أنه لا يستطيع إغواء العباد المخلصين فقال المولى تبارك وتعالى فـي الآية
التى تليها ﴿هذا صراط علىَّ مستقيم﴾ وفـي قراءة ﴿هذا صراط علىٌ مستقيم﴾ وفـي معنى
هذه الآية يقول صاحب البحر المديد فـي تفسير القرآن المجيد السيد أبى العباس أحمد
بن محمد بن عجيبة: أن السير على منهاج من يوصل إلى الله والخضوع له هو الصراط الذى
أشار إليه الحق تعالى بقوله ﴿هذا صراط على مستقيم﴾ ولننظر إلى الآية الرابعة
والعشرين من سورة يوسف حيث تقول ﴿... كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا
المخلصين﴾ فانظر يا أخى من الذى صرف عنه السوء والفحشاء وما هى علة هذا؟ إنه من
عبادنا المخلصين.
فالمخلصين من العباد هم الذين أخلصهم الله جل وعلا له ليكونوا طريقا
مستقيما ومنهاجا يقتدى بهم لذلك فهم فـي عناية الله وحفظه ليس لإبليس عليهم سبيلا
لذلك كانوا هم ساسة الخلق يوجهونه إلى الحق يستجيب لهم المحبين والمحبوبين لأن
خُلقهم من خُلق من قال المولى تبارك وتعالى فـي حقه ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾.
فدعائنا فـي أم الكتاب التى أجمل فيها القرآن كما أخبر الإمام على كرم
الله وجهه: أن ما فصل فـي القرآن أجمل فـي سورة البقرة وما فصل فـي البقرة أجمل فـي
فاتحة الكتاب، إنه أعظم دعاء ﴿إهدنا الصراط المستقيم﴾ والصراط مشتق من مادة سرط
وبلغة قريش صرط وهى اللقم والبلع فكأننا نطلب طريقنا سهلا للهداية حينما نصل إلى
أوله يبتلعنا أى يجذبنا إلى جناب الحق من غير مشقة ولا تعب وهو أقصر طريق لأنه
مستقيم، والمستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين والاستقامة هنا بمعنى الثبات على
الهداية فـي طريق الوحدة التى هى طريق المنعم عليهم بالنعمة الخاصة الرحيمية التى
هى المعرفة والمحبة كما جاء فـي تفسير ابن عربى رضى الله عنه: فهذا الصراط صراط
النبيين والشهداء والصديقين والأولياء وما أحسنها رفقة.
أيها السالكون ما الحب سـهـل قد هديتم صراطكـم فاستقيمـوا
أى داوموا على هذه الهداية واحرصوا عليها بالاستقامة والطاعة فإن
المحب لمن يحب مطيع والآية الكريمة تخاطبنا بقوله تعالى ﴿وإن تطيعوه تهتدو﴾ ثم
صرح لنا مخبرا عن نفسه فـي موطن آخر:
فإن صراطى مستقيم وتابـعـى على أثرى إذا الناس ضـلـت
وإنى صراط المصطفى ونجيـه تفرق حسادى على كل فرقـة
محمد مقبول
شراب
الوصل
وإنى فيكم فاشهدونى وعـاينـوا جمالى موصول وسرى بصحبتى
يقول الحق تبارك وتعالى ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله﴾ هذه الآية الكريمة
فـي حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبأنا إنه صلوات ربى وسلامه عليه فينا
ووجوده هذا لا يتعلق بحياته الدنيوية فقط بل يتعلق بوجوده صلى الله عليه وسلم مابقى
الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وهذا لعموم المسلمين.
ويؤيد هذا ما أورده أبى داود فـي سننه عن أوس بن أوس قال: قال النبى
صلى الله عليه وسلم (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علىّ من الصلاة فيه،
فإِن صلاتكم معروضةٌ علىّ، فقالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أى
بليت، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عزَّ وجلَّ حرم على الأرض أجساد الأنبياء
صلى الله عليهم).
وسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم
بينهم بعد موته لولا أن نبهه سيدنا أبوبكر ليفرق بين ظاهر الأمور وهى انتقال النبى
صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه وباطنها ببقاء النبى صلى الله عليه وسلم بين
الناس.
ورأى آخر يقول فـي حديث الصديق رضى الله عنه (ارقبوا محمدا فـي آل
بيته) وهو أن ترى الشيخ كاملا فـي خليفته ووريثه، وبه يكون الجمال موصول ويسرى السر
بصحبة وريثه الذى هو هو، ولذلك يقول الإمام فخر الدين رضى الله عنه زفاشهدونى
وعاينواس أى فاشهدونى من المشاهدة وهى الحضور والشهادة خبر قاطع أى الحضور بالسمع
والقلب فهو لذلك غير غائب، وعاينوا من المعاينة وهى النظر والمواجهة والرؤية التى
لاشك فيها، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الديملى (النظر إلى وجه العالم
عبادة).
محمد صفوت جعفر
|