الحياة البرزخية

الحبيب على ألسنتهم

أفضل الصلوات على سيد السادات

الحياة البرزخية

الصالحين لهم حياتهم البرزخية الخاصة بهم فـي قبورهم وقد قال تعالى ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ فـي تفسير القرآن العظيم لابن كثير عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال قال صلى الله عليه وسلم (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم فـي قبورهم فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك) وقال أيضا صلى الله عليه وسلم (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا).

وقـال صلى الله عليه وسلم لرجل قد اتكأ على قبر (لا تؤذى صاحب القبر) ذكره ابن تيمـيه فـي المنتقى وكذا الإمام أحمد والحافـظ ابن حجر، كما أخرج الطـحاوى فـي معانى الآثار من حديث ابن عمرو بن حزم بلفـظ رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال (انزل عن القبر لا تؤذى صاحب القبر ولا يؤذيك) وأخـرج ابن سعد فـي الطـبقات وابن أبى شيبه فـي المسـند عن ثابت البنـانى قال (اللهم إن كنت أعطيت أحدا الصلاة فـي قبره فأعطنى الصلاة فـي قبرى) أخرجه أبو نعيم فـي الحلية، وأخرج أبو نعيـم عن يوسف بن عطية قال: سمعت ثابتا يقول لحميد الطويل هل بلغك أن أحدا يصـلى فـي قبره إلا الأنـبياء؟ قال: لا، قال ثابت: اللهم إن أذنت لأحد أن يصلى فـي قـبره فإذن لثابت أن يصلى فـي قبره.

وعن جسر قال: أنا والله الذى لا إله إلا هو أدخلت ثابتا البنانى فـي لحده ومعى حميد الطويل فلما سـوينا عليه الطيـن سقطت لبـنة فإذا أنا به يصلى فـي قبره، أخرجه أبو نعيم فـي الحلية، وعن ابن جرير عن إبراهيم بن المهـلبى قال حدثنى الذين كانوا يمرون فـي الجص بالأسحار قالوا (كنا إذا مررنا بجـبانة قبر ثابـت البنانى سمعنا قراءة القرآن) وعن ابن عباس قـال: ضرب بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم خباءة على قبر وهو لا يحسـب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى صلى الله عليـه وسلم فأخبره فقال (هى المانعة هى المنجية تنجيه من عذاب القبر) أخرجه الترمذى فـي مسنده، وعن عبد الله بن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فـي الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام) من مجـموع فتاوى ابن تيميه.

ومن كتاب المدرسة الشاذلية الحديثة للدكتور عبدالحليم محمود عندما كان يتحدث عن حياة الصالحين فـي البرزخ فقال: أما السيد البدوى فهو حى فـي قبره يجلس ويضطجع ويقابل جميع زواره هذا حاله.

وشهادة ابن تيمية حينما سئل عن الأحياء إذا زاروا الأموات هل يعلمون بزيارتهم وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره؟ فأجاب: الحمد لله نعم، جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات. كما روى ابن المبارك عن أبى أيوب الأنصارى قال (إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير فـي الدنيا فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض أنظروا أخاكم يستريح فإنه كان فـي كرب شديد، قال: فيقبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان وما فعلت فلانة هل تزوجت).

وحول الكلام والتلقين من البرزخ يخبرنا صلوات ربى وسلامه عليه قائلا (من أمتى من يتكلم بعد الموت) أخرجه المناوى فـي كنوز الحقائق والديلمى فـي مسند الفردوس، كما أورد ابن كثير فـي تفسير قوله تعالى ﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ أن شابا كان يتعبد فـي المسجد فهويته امرأة فدعته إلى نفسها فمازالت به حتى كاد يدخل معها المنزل فذكر تلك الآية فخر مغشيا عليه ثم أفاق فأعادها فمات، فجاء الإمام عمر بن الخطاب فعزى فيه أباه وكان قد دفن ليلا فذهب فصلى على قبره بمن معه ثم ناداه عمر فقال: يا فتى ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر قد أعطانيهما ربى عز وجل فـي الجنة مرتين. كما أورد ابن كثير فـي تفسير قوله تعالى ﴿وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ماكنتم تكتمون﴾ كان رجل من بنى اسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض، فقال ذوو الرأى منهم والنهى علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى عليه السلام فذكروا ذلك له فقال ﴿إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فقالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين﴾ قال فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التى أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا فأخذوها فذبحوها فضربوه ببعضها فقام، فقالوا من قتلك؟ قال: هذا، لابن أخيه، ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا فلم يورث قاتل بعد.

محمد سيد

الحبيب على ألسنتهم

لقد أظهر الله فى كتابه المبين نبوة نبيـه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بطرق كثيرة ومتنوعة، يعرف بها كمال صدقه صلى الله عليه وسلم، فأخبر أنه صدق المرسلين، وأن جميع المحاسن التى فى الأنبياء فهى فيه صلى الله عليه وسلم، وقرر نبوته بأنه أمى لا يكتب ولا يقرأ، وتارة يقرر نبوته بكمال حكمة الله وتمام قدرته وأن تأييده لرسوله ونصرته على أعدائه، وتارة يقررها بما هو موجود فى كتب الأولين وبشارات الأنبياء والمرسلين، إما باسمه العلم، أو بأوصافه الجليلة وأوصاف أمته وأوصاف دينه، وتارة يقرر رسالته بذكر عظمة ما جاء به وهو القرآن الذى ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميد﴾ فهذه الأمور والطرق قد أكثر الله من ذكرها فى كتابه وقررها بعبارات متنوعة ومعانى مفصلة وأساليب عجيبة وأمثلتها تفوق العد والإحصاء.

فهذه الأمور هى من الأدلة العقلية المتفقة مع الأدلة النقلية، فالله تبارك وتعالى خاطب العقول، ولذا نعى على العرب أنهم لا يعملون عقولهم فى رسالته صلى الله عليه وسلم، وفيما جاء به رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه فمن ذلك قوله تعالى ﴿لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون﴾.

وقد نصر الله نبيـه صلى الله عليه وسلم وأظهر صدقه وأيـده على أعدائه ونصره عليهم حتى طأطأت أمامه رؤوس الجبابرة وخضعت له صناديد قريش، وبلغت دعوته المشارق والمغارب، واعترف بصدقه القريب والبعيد، والعدو المحارب.

ومن هنا فإننا نخاطب العقول التى تعى أن تتأمل فى حياة ذلك الرجل العظيم، الذى شهد بنبوته كل منصف من أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام الذى كان يهوديا فأسلم لما رأى وجهه صلى الله عليه وسلم فقال: قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت فى الناس لأنظر إليه، فلما استثبت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، رواه الإمام أحمد والترمذى وابن ماجه، وهو الذى قال الله فى شأنه ﴿وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم﴾ ولذا ذهب غير واحد من المفسرين إلى أن المقصود بالآية هو عبد الله بن سلام رضى الله عنه، فهو قد شهد شهادة الحق وأخبر أن صفة النبى صلى الله عليه وسلم فى التوراة وقصة إسلامه فى صحيح البخارى.

وشهد كذلك هرقل (رئيس النصارى فى زمانه) بصدق نبوته صلى الله عليه وسلم، فإنه لما جاء كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل (عظيم الروم) لم يقل: هذه رسالة خاصة بالعرب ولا بالأعراب، كما لم يقل هذا غير صادق، وإنما قال لأبى سفيان (وكان أبو سفيان آنذاك مشركا) فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمى هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أنى أعلم أنى أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمـه، رواه البخارى ومسلم.

وآمن به (النجاشى) ملك الحبشة وقال عن القرآن حين سمع آيات من سورة مريم، فبكى حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا كتبهم حين سمعوا ما تلى عليهم، ثم قال النجاشى: إن هذا والله والذى جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، رواه الإمام أحمد.

حسين محمد سيد

أفضل الصلوات على سيد السادات

ورد الأمر من رب العزة بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم﴾ وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بفضل الصلاة عليه فـي كثير من الأحاديث منها ما رواه الصحابى الجليل سيدنا أبوهريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا) للإمام مسلم وعن سيدنا أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ومن صلى على عشرا صلى الله عليه مائة ومن صلى على مائة كتب الله له براءة من النفاق بين عينيه وبراءة من النار وانزله الله يوم القيامة مع الشهداء) للطبرانى فـي الأوسط والصغير.

كما أن الله يرقى بهذه الصلاة رسوله صلى الله عليه وسلم فـي درجات الكمال، فإن الكمالات لا تتناهى، فيرفعه بها فـي نهايات القرب والرضوان، فعن سيدنا أبى طلحة عن أبيه قال: جاء النبى صلى الله عليه وسلم يوما وهو يرى البشر فـي وجهه، فقيل: يارسول الله، إنا نرى فـي وجهك بشرا لم نكن نراه، قال: أجل، إن ملكا أتانى فقال لى يا محمد، إن ربك يقول لك: أما يرضيك أن لا يصلى عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك إلا سلمت عليه عشرا، قال: قلت بلى) للدارمى فـي سننه وابن أبى شيبة فـي مصنفه.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فـي حاجة إلى أن نصلى عليه، بل نحن فـي حاجة إلى أن نصلى عليه صلى الله عليه وسلم، حتى يكفينا الله همومنا، ويجمع علينا خير الدنيا والآخرة، ويغفر لنا ذنوبنا، وقد يسأل السائل كم نصلى على النبى صلى الله عليه وسلم فـي يومنا وليلتنا، فلا حد للصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، فينبغى على المسلم أن يجتهد فـي الصلاة عليه قدر المستطاع، وإن استطاع أن يجعل ذكره كله فـي الصلاة على النبى فهو خير له، فهذا هو الصحابى الجليل أبى بن كعب رضى الله عنه يقول لحضرة النبى صلى الله عليه وسلم: إنى أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتى؟ فقال: ماشئت، قلت الربع؟ قال: ماشئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ماشئت فإن زدت فهو خير لك، قلت فالثلثين؟ قال: ماشئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتى كلها؟ قال: إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك . رواه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح.

وهكذا نرى أن إنفاق كل مجلس الذكر فـي الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم خير عظيم، حيث حث عليه النبى صلى الله عليه وسلم، ويؤكد هذا المعنى ما رواه أبى بن كعب أيضا حينما قال رجل: يارسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتى كلها عليك؟ قال: (إذاً يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك) رواه الإمام أحمد.

وقد اهتم الصحابة رضوان الله عليهم بأن يعرفوا صيغة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله السلام عليك قد عرفناه فكيف نصلى عليك؟ فقال: قولوا (اللهم) صل على محمد وعلى آل محمد، فالسر فـي كلمة (اللهم) فلا يصح لأحد أن يقول (أنا أصلى) أو يقول (وأصلى وأسلم) حيث أن المصلى عليه هو الله بكيفية يعلمها هو.

ومما ورد فـي الأثر عن فضل الصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم أن عبد الواحد بن زيد خرج حاجا إلى بيت الله الحرام وصحبه رجل فـي الطريق كان لا يقوم ولا يقعد ولا يجئ ولا يذهب ولا يأكل ولا يشرب ولا يتطهر ولا ينام ولا يتصرف فـي شئ إلا أكثر من الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فسأله عن ذلك فقال:

أحدثك بعجب عجيب خرجت إلى مكة ومعى والدى فنزلنا منزلا فـي موضع من منازل الطريق ونمنا فإذا بهاتف يهتف بى ويقول يا فلان قم فقد أمات الله والدك وقد اسود وجهه، فانتبهت فزعا مرعوبا مما سمعت فإذا هو راقد ووجهه مسجى فكشفت الثوب عن وجهه فإذا هو ميت ووجهه أسود، فاشتد حزنى لذلك وتحيرت فغلبنى النوم فإذا أنا بهيئة أربعة عند رأسه وأربعة عند رجليه بأيديهم أعمدة من حديد من نار يريدون عذابه، فبينما أنا أنظر فيما يكون من أمر والدى مع هؤلاء فإذا برجل قد جاء وقد أشرق من نور وجهه الموضع الذى كنا فيه وأقبل على هؤلاء فانتهرهم وقال: تنحوا عنه، فتنحوا عنه من ساعتهم وغابوا عنى فلم أرهم، ثم أقبل على والدى فمسح بيده على وجهه فإذا هو أشد بياضا من الثلج، ثم أقبل على فقال لى: بيض الله وجه أبيك وزال عنه السواد، فقلت له من أنت جزاك الله عنه خيرا؟ قال: أنا محمد رسول الله، فقلت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم ما كان السبب فـي مجيئك إليه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أما والدك فكان مسرفا على نفسه غير أنه كان يكثر من الصلاة علىّ فلما نزل به ما نزل استغاث بى وأنا غياث لمن أكثر الصلاة علىّ، فقمت من النوم فكشفت الثوب عن وجه أبى فإذا هو قد ابيض، فأخذت فـي أمره وشرعت فـي دفنه، ومن ساعتها ما تركت الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.

فاذا كانت الصلاه على النبى صلى الله عليه وسلم تورث تنوير الوجه بعد الممات فأولى أن تورث تنوير القلوب فـي الحياة.

وإلى لقاء.

سمير جمال