كانوا هكذا يكتبون
�معظم الكتب الحديثة تتحدث عن النبى من باب أنه
شخص أو بشر لا يميزه عنا إلا الوحى، بل ويفردون صفحات لتحليل شخصيته أو معرفة
أبعاد تصرفاته التى يصفونها بأنها تتأرجح بين الخطأ والصواب ويستندون إلى بعض
الآيات كقوله تعالى ﴿عبس وتولى﴾، ﴿ما كان لنبى أن يكون له أسرى﴾ ليستدلوا بها على
صحة رأيهم الفاسد ومعتقدهم البغيض ونستعرض الآن مع قراء عبير التاريخ نصا للقاضى
عياض رضى الله عنه فـي الكلام عن الحبيب صلى الله عليه وسلم: فيما جاء من ذلك مجئ
المدح والثناء وتعداد المحاسن كقوله تعالى ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما
عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ قال السمرقندى: وقرأ بعضهم ﴿من أنفسكم﴾ بفتح
الفاء وقراءة الجمهور بالضم، قال القاضى الإمام أبو الفضل: أعلم الله تعالى
المؤمنين أو العرب أو أهل مكة أو جميع الناس، على اختلاف المفسرين: من المواجه
بهذا الخطاب أنه بعث فيهم رسولا من أنفسهم يعرفونه ويتحققون مكانه ويعلمون صدقه
وأمانته فلا يتهمونه بالكذب وترك النصيحة لهم، لكونه منهم، وأنه لم تكن فـي العرب
قبيلة إلا ولها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ولادة أو قرابة، وهو عند ابن
عباس وغيره معنى قوله تعالى ﴿إلا المودة فـي القربى﴾ وكونه من أشرفهم وأرفعهم
وأفضلهم على قراءة الفتح وهذه نهاية المدح، ثم وصفه بعد بأوصاف حميدة وأثنى عليه
بمحامد كثيرة، من حرصه على هدايتهم ورشدهم وإسلامهم وشدة ما يعنتهم ويضر بهم فـي
دنياهم وأخراهم وعزته ورأفته ورحمته بمؤمنهم، قال بعضهم: أعطاه اسمين من أسمائه (رؤوف،
رحيم) ومثله فـي الآية الأخرى، قوله تعالى ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم
رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من
قبل لفى ضلال مبين﴾ وفـي الأية الأخرى ﴿هو الذى بعث فـي الأميين رسولا منهم يتلو
عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين﴾ وقوله
تعالى ﴿كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب
والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون﴾ وروى عن على بن أبى طالب، عنه صلى الله عليه
و سلم فـي قوله تعالى ﴿من أنفسكم﴾ قال (نسبا وصهرا وحسبا، ليس فـي آبائى من لدن
آدم سفاح، كلنا نكاح) قال ابن الكلبى: كتبت للنبى صلى الله عليه و سلم خمسمائة أم،
فما وجدت فيهن سفاحا و لا شيئا مما كان عليه الجاهلية، وعن ابن عباس رضى الله عنه
فـي قوله تعالى ﴿وتقلبك فـي الساجدين﴾ قال: من نبى إلى نبى حتى أخرجك نبيا، وقال
جعفر بن محمد: علم الله عجز خلقه عن طاعته، فعرفهم ذلك، لكى يعلموا أنهم لا ينالون
الصفو من خدمته، فأقام بينهم وبينه مخلوقا من جنسهم فـي الصورة، وألبسه من نعمته
الرأفة والرحمة وأخرجه إلى الخلق سفيرا صادقا وجعل طاعته طاعته وموافقته، فقال
تعالى ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ وقال الله تعالى ﴿وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين﴾ قال أبو بكر بن طاهر: زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه و سلم بزينة
الرحمة، فكان كونه رحمة، وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شئ من
رحمته فهو الناجى فـي الدارين من كل مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى
أن الله يقول ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ فكانت حياته رحمة ومماته رحمة كما
قال عليه السلام (حياتى خير لكم و موتى خير لكم) وكما قال عليه الصلاة و السلام (إذا
أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا) وقال السمرقندى ﴿رحمة
للعالمين﴾ يعنى للجن و الإنس، وقيل: لجميع الخلق، للمؤمن رحمة بالهداية ورحمة
للمنافق بالأمان من القتل، ورحمة للكافر بتأخير العذاب. قال ابن عباس رضى الله
عنهما: هو رحمة للمؤمنين وللكافرين، إذ عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة. وحكى
أن النبى صلى الله عليه و سلم قال لجبريل عليه السلام: هل أصابك من هذه الرحمة شئ؟
قال: نعم، كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عز وجل على بقوله ﴿ذى قوة عند ذى
العرش مكين
v مطاع ثم أمين﴾ وروى عن جعفر بن محمد الصادق فـي قوله تعالى ﴿فسلام
لك من أصحاب اليمين﴾ أى بك، إنما وقعت سلامتهم من أجل كرامة محمد صلى الله عليه و
سلم، وقال الله تعالى ﴿الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
المصباح فـي زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا
غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب
الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم﴾ قال كعب وابن جبير: المراد بالنور الثانى
هنا محمد عليه السلام، وقوله تعالى ﴿مثل نوره﴾ أى نور محمد صلى الله عليه وسلم.
محمد صفوت جعفر
|