كـظـم الـغـيـظ
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إن الغضب جمرة من النار فمن وجد ذلك منكم فإن كان قائما فليجلس وإن كان
جالسا فليضطجع) ولأبى سعيد الخدرى أيضا رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (إياكم والغضب فإنه يوقد فى فؤاد ابن آدم النار ألم تر إلى أحدكم إذا غضب
كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فإذا أحس أحدكم بشئ من ذلك فليضطجع وليلصق بالأرض)
وقال أيضا صلوات ربى وسلامه عليه (إن منكم من يكون سريع الغضب سريع القئ فأحدهما
بالآخر -يعنى يكون أحدهما بالآخر قصاصا- ومنكم من يكون بطئ القئ ويكون أحدهما
بالآخر، وخيركم من كان بطئ الغضب سريع القئ وشركم من كان سريع الغضب بطئ القئ) وروى
أبو أمامة الباهلى رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كظم
غيظا وهو يقدر على أن يمضيه لم يمضه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا).
ويقال أنه مكتوب فى الإنجيل: يا ابن آدم اذكرنى حين تغضب أذكرك حين
أغضب، وارض بنصرتى لك فإن نصرتى لك خير من نصرتك لنفسك.
وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لرجل أغضبه: لولا أنك أغضبتنى
لعاقبتك، أراد بذلك قول الله ﴿والكاظمين الغيظ﴾ وذكر أنه رأى سكران فأراد أن يأخذه
فيعزره فشتمه السكران فلما شتمه رجع عمر، فقيل له: يا أمير المؤمنين لما شتمك تركته
قال: لأنه أغضبنى فلو عزرته لكان ذلك لغضب نفسى ولا أحب أن أضرب مسلما لحمية نفسى.
وروى عن ميمون بن مهران أن جارية له جاءت بمرقة فعثرت فصبت المرقة عليه
فأراد ميمون أن يضربها فقالت الجارية: يا مولاى استعمل قول الله ﴿والكاظمين الغيظ﴾
فقال: قد فعلت، فقالت: اعمل بما بعده ﴿والعافين عن الناس﴾ قال: قد عفوت، فقالت:
اعمل بما بعده ﴿والله يحب المحسنين﴾ فقال: ميمون أحسنت إليك فأنت حرة لوجه الله
تعالى.
وعن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يكن فيه ثلاث
خصال لم يجد طعم الإيمان: حِلم يرد به جهل الجاهل، وورع يحرزه عن المحارم، وخُلق
يدارى به الناس) وذكر عن بعض المتقدمين أنه كان له فرس وكان معجبا به، فجاء ذات يوم
فوجده على ثلاث قوائم فقال لغلامه: من صنع هذا فقال: أنا، قال: لم قال: أردت أن
أغمك، قال: لا جرم لأغمن من أمرك به: يعنى الشيطان: اذهب فأنت حر والفرس لك.
وينبغى للمسلم أن يكون حليما وصبورا فإن ذلك من خصال المتقين وقد مدح
الله الحليم فى كتابه فقال ﴿ولمن صبر وغفر﴾ يعنى من صبر على الظلم وتجاوز عن ظالمه
وعفا عنه ﴿إن ذلك لمن عزم الأمور﴾ يعنى من حقائق الأمور التى يثاب فاعلها على ذلك
وينال أجرا عظيما وقال سبحانه فى آية أخرى ﴿ولا تستوى الحسنة ولا السيئة﴾ أى لا
تستوى الكلمة الحسنة والكلمة السيئة يعنى لا ينبغى للمسلم أن يكافئ كلمة حسنة
بكلمة قبيحة ثم قال: ﴿ادفع بالتى هى أحسن﴾ أى ادفع الكلمة القبيحة بالكلمة التى هى
أحسن ﴿فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم﴾ يعنى إنك إذا فعلت ذلك صار عدوك
صديقا لك مثل القريب، وقد مدح الله خليله إبراهيم عليه السلام بالحلم فقال: ﴿إن
إبراهيم لحليم أواه منيب﴾ فالحليم المتجاوز والأواه الذى يذكر ذنوبه ويتأوه
والمنيب الذى أقبل على طاعة الله تعالى، وقد أمر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم
بالصبر بالحلم وأخبره أن الأنبياء الذين كانوا من قبله كانوا على ذلك فقال ﴿فاصبر
كما صبر أولوا العزم من الرسل﴾ أى اصبر على تكذيب الكفار وأذاهم كما صبر الرسل
الذين من قبلك، وأولوا العزم هم ذو الحزم وهم الذين يثبتون على الأمر ويصبرون
عليه، وقال الحسن فى قوله: ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلام﴾ أى قالوا حلما وإن
جهل عليهم حلمو. وروى عن وهب بن منبه رضى الله عنه قال: كان عابد فى بنى إسرائيل
أراد الشيطان أن يضله فلم يستطع، فخرج العابد ذات يوم لحاجة وخرج الشيطان معه لكى
يجد منه فرصة، فأتاه من قبل الشهوة والغضب فلم يستطع منه على شئ، فأتاه من قبل
الخوف وجعل يدلى عليه صخرة من الجبل فإذا بلغته ذكر الله فنأت عنه، ثم جعل يتمثل
بالأسد والسباع فذكر الله فلم يبال به، ثم جعل يتمثل له بالحية وهو يصلى فجعل يلتوى
على قدميه وجسده حتى بلغ رأسه، وكان إذا أراد السجود التوى فى موضع رأسه من السجود
يعنى وجهه فلما وضع رأسه ليسجد فتح فاه ليلتقم رأسه فجعل ينحيه حتى استمكن من
السجود، فلما فرغ من صلاته وذهب جاء إليه الشيطان فقال أنا فعلت بك كذا وكذا فلم
أستطع منك على شئ وقد بدا لى أن أصادقك ولا أريد ضلالتك بعد اليوم، فقال له العابد:
لا اليوم الذى خوفتنى بحمد الله ما خفت منك ولا لى حاجة اليوم فى مصادقتك، فقال:
ألا تسألنى عن أهلك ما أصابهم بعدك فقال: له العابد أنا مت قبلهم، فقال: ألا تسألنى
عما أضل به بنى آدم قال: بلى أخبرنى بالذى تصل به إلى اضلال بنى آدم قال: بثلاثة
أشياء: الشح والغضب والسكر.
محمد عادل
بالحقائق
ناطقين
أصل التصوف
اختلف الكُتاب والمؤرخون فـي نشأة التصوف الإسلامى ومعنى التصوف وقالوا
إن كلمة (التصوف) يرى البعض أنها اشتقت من كلمة (سوفيا) اليونانية بمعنى (الحكمة)
والبعض الآخر يقول أنها مشتقة من (صوفة) اسم شخص كان يعكف على ذكر الله وعبادته عند
البيت الحرام، وثالث يرى أنها مشتقة من (صوفان) بمعنى أنها تبين ما يمتاز به
الصوفـي من زهد فـي المأكل، ورابع يرى أنها من الصفاء، وخامس يقول أنها نسبة إلى
أهل الصفة وهم الفقراء الذين كانوا يصطفون فـي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم عقب
كل صلاة.
غير أن ابن وازن القشيرى قد أجمل تلك الآراء فـي قوله:
إن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمَ أفاضلهم فـي
عصره بتسمية سوى صحبة رسول الله، إذ لا فضيلة فوقها، فقيل لهم (الصحابة) ولما أدرك
أهل العصر الثانى سمى من صحب الصحابة بـ (التابعين) ورأوا فـي ذلك أشرف سمة.. ثم
قيل لمن بعدهم بـ (أتباع التابعين) ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص
الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين (الزهاد والعباد) فلما ظهرت البدع وحصل
التداعى، انفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله الحافظون قلوبهم من طوارق
الغفلة باسم (التصوف) واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة.
ويروى المقريزى فـي الخطط التوفيقية عن أول دار فـي الإسلام جمعت
الصوفية فيقول:
أول من اتخذ بيتا للعباد والزهاد (زيد بن صوحان بن صبرة) وذلك أنه عمد
إلى رجال من أهل البصرة تفرغوا للعبادة وليس لهم تجارة ولا غلال فبنى لهم دورا
وأسكنهم فيها وجعل لهم ما يقوم بمصالحهم من مطعم ومشرب وملبس وغيره، وكان ذلك فـي
عهد أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضى الله تبارك وتعالى عنه.
محمد سيد
إلى من نحب ونرضى
إلى الحبيب ابن الحبيب أبو الحبيب إلى عطاء الله إلى المصطفى من السيد
البرهانى إلى صاحب الحمى.. إلى الأب الذى تعجز أى كلمات عن ذكر خصائصه ومعانيه.. إلى
الإمام ابن الإمام أبو الإمام.. إلى مولانا الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده
البرهانى رضى الله عنهم أجمعين..
وصدق الله العظيم حيث يقول ﴿سلام قولا من رب رحيم﴾ أى ذو السلامة من
النقائص، وقال ابن العربى: اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن معنى قولنا فـي
الله السلام: تقديره ذو السلامة، ثم اختلفوا فـي ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال:
الأول: معناه الذى سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص.
الثانى: معناه ذو السلام أى المسلم على عباده فـي الجنة.
الثالث: أن معناه الذى سلم الخلق من ظلمه.
وعلى أنه البرىء من العيوب والنقائص يكون صفة ذات، وأكثر المفسرين أن
معناه: يسلم الله عليهم سلاما، وقوله ﴿قول﴾ أى يقول قولا، وفـي رواية سيدنا جابر أن
النبى صلى الله عليه وسلم قال (بينما أهل الجنة فـي نعيمهم إذ سطع لهم نور وأشرف
عليهم ربهم جل وعلا فيسلم عليهم) ويقال: تسلم عليهم الملائكة من ربهم، ويعطيهم الله
السلامة، ويقول اسلموا السلامة الأبدية، وقوله ﴿من رب رحيم﴾ أى عطوف، وقيل يسلم
عليهم من جهته تعالى بواسطة الملك أو بدونها مبالغة فـي تعظيمهم، وقال ابن عباس رضى
الله عنهما: والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين.
ومن هنا تأتى نفائس در الإمام فخر الدين حيث يقول:
وعليكم منى سلاما واصــلا يا آل إبراهيم ذى الإنـعـام
إننى أدعوك أيها القارئ الكريم كى نتجول سويا فـي كلمات هذا البيت
المنظوم نظما فريد فإن الشيخ رضى الله عنه، ولنا وقفة فـي معنى كلمة (الشيخ) ففى
(اصطلاحات الصوفية) للكاشانى يقول: الشيخ هو الإنسان الكامل فـي علوم الشريعة
والطريقة والحقيقة، البالغ إلى حد التكميل فيها، لعلمه بآفات النفوس وأمراضها
وأدوائها ومعرفته بذواتها وقدرته على شفائها والقيام بهداها إن استعدت ووقفت
لاهتدائها.
فقد يكون الشيخ رضى الله عنه بدأه بإلقاء تحية دائمة لا نهاية لها وهى
السلام، فما هو السلام؟ فلنذهب إلى ساداتنا السلف الصالح لنعرف منهم معنى السلام،
ففى كتاب (الأزل) للسيد محمد وفا الشاذلى يقول:
السلام من أسماء التنزيه إذا حمل على وجه أن العلم ودرجاته والوجود
ومراتبه فـي براءة ونزاهة وتقديس وطهارة وسلامة من الآفات العارضة لمراتب الكون،
ويصرف إلى القدرة على سلامة أرواح حظائر قدسه من سمات النقص وإن حاز عليهم عقلا فهو
ممتنع كشفا وعلما، وإن حمل على نفس السلامة لهم، كان من أسماء صفات الأفعال، أو حمل
على التسليم عليهم فـي دار السلام، كان من أسماء صفات الذات.
فانظر أيها القارئ الكريم ما تحمله هذه التحية المباركة من معانى!!
وعلى من هذه التحية المباركة؟ فإنها على (آل إبراهيم) ومن هم الآل؟ والآل هنا للرجل
العظيم وأهله ومن تبعه من المضافين إليه لعلو شأنه وهيمنته، لإنه (ذى الإنعام) أى
صاحب اليد البيضاء الصالحة والصنيعة والمنة والعطاء فهذا هو مولانا الشيخ إبراهيم
رضى الله عنه وأرضاه.
أحمد خليل
|