وَلِي نَظْمُ دُرٍ
الحمد
لله الذى لم يتخذ وليا جاهلا وله الحمد أن جعل العلم وساما فوق جبين
العاملين العارفين ونحمده على تزكيته من يشاء وهو أعلم بالمتقين
والصلاة والسلام على خير الخلق على الإطلاق سيد الأولين والآخرين
سيدنا محمد اللهم صلِّ عليه وآله وسلم.
نرجو
من القارئ الكريم فى أن يتوجَّه معنا إلى زاوية أخرى فيما يتعلق
بالإنسان وسنجد أن الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى في مسيرة حياته
الطويلة التى لا نعرف عنها إلا القليل، شخص فريد متعدد الجوانب ضرب
في كلِّ ضرب من ضروب العلم بسهم وافر، كما سيجئ موضوع بحثنا هذا. فهو
كما يقول عنه أحد العلماء المصريين (كنت أحسب أن هذا السودانى
كتاباَ فوجدته مكتبة).
يقول
الشيخ رضي الله عنه:
كم من فهومٍ مادحاتٍ لى وقد
ذمَّت ومن دُبُر قميصىَ قدَّتِ
ونكررأننا لا نريد أن نمدحه فقد مدح نفسه بأبلغ ما يكون وإذا علمنا
أنه أحد أولياء الله فسيستبين لنا أن مدحه لنفسه لم يكن رياء وإعجابا
بالنفس وإنما اعترافا بنعم الله تعالى. ويحكى سيدى الإمام الشعرانى
رضى الله عنه أن شيخه سيدى على الخواص كان يقول (التحدث بنعمة الله
تعالى في غيرما فتنةٍ ولا غرضٍ خاص بالأكابر من الأولياء، فى كل
عصرٍ بخلاف غير العارفين فربما دخل الرياء على أحدهم فى تحدثه بما
أنعم الله عليه) وإنما نحن وكالعادة تشدُّنا الكلمات شدَّا نحو تذوق
طعمها الشهىِّ وشرب مائها النقى فهاهى البلاغة تسير بقدميها نحوك
وتفتح أذنيك لتسمعها رغم أنفك وليتك تسلم بعد ذلك، فهى تجعلك هائما
بها سنين دأبا.
ولتسمع
نفسك وأنت تقرأ البيت مرة أخرى:
كم من فهومٍ مادحاتٍ لى وقد
ذمَّت ومن دبُرٍ قميصى قدَّتِ
أفادت
تلك الكلمات بترتيبها وتناسقها معنى أن كثيرا من العقول صاحبة الفهوم
قد مدحته، فكم خبريَّة تفيد الكثرة واختار الناظم أن يكون تمييزها
جمعا مجرورا مما يؤكِّد كثرة الفهوم المادحة.
ويبدو
أن هذا المطلع مما يفرح القارئ ويبهجه إذ إن مدحه رضى الله عنه
محمود ومرغوب ومن منا لا يريد ان يمدح شيخه؟ وكيف لا يمدحه وهو مربى
روحه ومهذِّب أخلاقه؟ ولا تتفاجأ أخى القارئ اذا علمت عجز البيت فهذه
الفهوم المادحة هى فى واقع الامر قد ذمَّت وان كان قصدها المدح بل
قد اجرمت ؛وقد اثبت الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى ذلك بقوله
وباسلوب الكناية والقصر <ومن دبر قميصى
قدَّتِ> فهو يكنى عمن عجز عن مدحه.
وكلُّنا عاجز. بمن قدَّ قميصه من دبر وأسلوب القصر يتمثَّل فى تقديم
الجار والمجرور وكذلك المفعول فهو بذلك قدأكَّد قدَّ القميص ومن دبر
على وجه الخصوص.
واذا
تأمَّلت قوله تلمح ذلك البريق الوضاء على وجه الوضَّاء الذى يتلخَّص
فى الجمال بكل معانيه والذى هو هبةٌ من الله لمن خصه من عباده
بالكرامة والاجتباء وهو يطلب الخفاء ويُخفي مقامه عن الناس و يحاول
الإفلات ولكن إلى اين المفر؟ قد كان دليل براءته ان قد قميصه من
دبر...اقتباس رائع من القران تشبيه لمن اراد ان يمدحه فذمَّه وكان ان
فعل فعلته وقُدَّ قميصه من دبر جزاء ابتعاده وهروبه من المدح
والإطراء إذا هو فى غنى عنه... ومن يكون ذاك الذى يريد ان يمدحه؟.
ها هو
الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فى حياته يترفَّع عن ما يسعى إليه
الاخرون من مدح وزهو وفخر فكان خافيا بذلك عن الأبصار بل والبصيرة
وتأييدا لذلك يقول فى إحدى قصائده:
عصارة ما فى الكون لكن لحكمةٍ خفيتُ عن
الأبصار بل والبصيرة
وصلِّ
اللهم على سيدنا محمد
وآله وسلم
الوسيلة إبراهيم
|