العد د السادس (يوليو)

 

بـرهـانيـــــــات

وَلِي نَظْمُ دُرٍ


 

بـرهـانيـــــــات

قبل الطريقة وبعدها

كنت أعيش حياة لاطعم لها تتخللها مظاهر الهمجية واللامسؤلية وتمر الأيام رتيبة والليالى مملة وبينما أنا فى خضم هذه الحياة الطائشة صادفنى ذات يوم أحد الأخوان البرهانية وذهبت معه إلى منزله وشد انتباهى وأعجبتنى أخلاقه وكرمه المتمثِّل فى ترحابه بنا هو وأهل داره أيضا الذين يتصفون بصفة الكرم والجود اللامتناهى فأعطانى الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية وهى عبارة عن أوراد مجموعة فى كتاب صغير ومسبحة صغيرة وأخذتها بكل صدق وحب مع إننى وجدت الكثير من الاعتراضات الساخرة وبالذات فى المسبحة الصغيرة ولكننى لم أعرها كثيراً من الاهتمام ومازال بداخلى بقايا من الماضى الطائش.

وقد بدأت بقراءة الأوراد وقد نشَّطتني لأداء الصلوات والقيام بكثير من الواجبات الدينية التي لم أكن أعيرها اهتماما تصديقا لقول الإمام البصيري رضي الله عنه:

 وإذا حلَّت الهداية قلبا     نشطت للعبادة الأعضاء

وقدعلمني حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبَّ آل بيته وحـــــبَّ أصحابه رضوان الله عليهم وقد قال شيخي رضي الله عنه:

وأرضعت أبنائي هوى آل أحمد      فأورثهم طه الصفاء ورحمتي

وبعدها عرفت مامعنى أن تحيا بحبِّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه الطيبين الطاهرين. وأنا لم أذق طعم الحب حقيقة إلا بعد دخولى إلى الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية وشرابى من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى ومن بعده الشيخ إبراهيم. وفعلا أصبحت السعادة الروحية محفورة فى الوجدان.

أحمد دفع الله آدم

السودان -  نيالا


الصـراط المستقيـم (2)

 

تحدَّثنا فى العدد السابق عن السبع المثاني والقرآن العظيم وها نحن نفصل ما أُجملَ عن السبع المثاني وهم سبعة أصناف من كل صنف مثنى مثنى أى أربعة وهم كالآتي:

أولا:أربعة من الملائكة الكروبيين (الكروبيون: وردت تلك التسمية فى مسند عبد الرزاق. جنة الخلد) لخدمة الدين فى عالم الجبروت بين الملائكة العالين {استكبرت أم كنت من العالين} سورة ص57 ثانيا: أربعة من الملائكة الفلكيين وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل لخدمة الدين فى عالم الجنات والأفلاك، وهذان الصنفان يخدمان فى عالم الجبروت والملكوت وعالم السموات حيث الأفلاك، وخدمتهم بدأت مع بداية المكان ولا تنقضى بزمان لأن آجالهم مربوطة بانتهاء الدنيا فى عالم الملك، وبعضهم لا أجل له كحملة العرش وغيرهم.

ثالثا:الأربعة أولى العزم من الرسل وهم الموكلون بالميثاق الخاص بمعرفة النبى وتبليغه لكلِّ الأنبياء والرسل والتقاء الأنبياء والرسل غير محدود بزمان ولا مكان كما حدث ليلة الإسراء والمعراج وصلاة النبى إماما فى المسجد الأقصى وسلامه على بعضهم فى السموات.

و يمثل الأربعة أولى العزم عليهم السلام تطور الرسالة إلى الخلق فكل واحد منهم بدأ حيث انتهى الذى قبله من الرسل فإن كان سيدنا نوح قد ختم بقوله {ربِّ إن ابنى من أهلى} سورة هود54 بدأ سيدنا إبراهيم بذبح سيدنا إسماعيل وإن كان سيدنا إبراهيم قد ختم بالبحث عن فعـل الأسماء الإلهية فى الخلق {ربِّ أرنى كيف تحيى الموتى} البقرة620. بدأ سيدنا موسى بالخطاب الإلهى والمشاهدة حتى غاب عن نفسه بمشاهدة الحقِّ وفنى عن كلِّ خلق، وإن كان سيدنا موسى قد ختم بطلبه أن تكون الأمة التى قرأ عنها فى اللوح أن تكون أمَّته فأخبره الله أنها أمـة حبيبه محمد  فطلب أن يكون له شرف الخدمة فى أمة الحبيب فكان ذلك أول ما أجيب به سيدنا عيسى بن مريم بأن يرفعه الله إلى السماء ثم ينزل ليخدم الدين فى أمــة الحبيب المصطفى .

رابعاً: وجاء خاتم الأنبياء والمرسلين وأرسى قواعد التشريع لعبادات الظاهر وختم الدرجات فى الترقِّى حتى قاب قوسين أو أدنى وترك بعده الأربعة رؤساء الصحابة ليحملوا راية الجهاد لنشر الإسلام فكان الجهاد فى زمن سيدنا أبي بكر ضد المرتدين والكذابين فقد حمل السيف على كل من أراد أن يهدم ركنًا من أركان الدين من صلاة أو صيام أو زكاة كما جاهد الكذابين المدعين أمثال مسيلمة الكذاب وسجاح والأسود العنسى ثم حمل الراية من بعده سيدنا عمر بن الخطاب الذى وصلت الفتوحات فى زمنه إلى أقصاها، ثم أكمل تلك الفتوحات سيدنا عثمان بن عفان لتوصيل كلمة التوحيد إلى المشرق والمغرب ثم حمل الراية مجاهدا من بعده سيدنا ومولانا الإمام على الذى حارب الخوارج الذين أرادوا الدين شيعا وفرقا فاجتثَّهم من جذورهم إلا ستة نفر فروا من القتال.

خامسا:وجنبا إلى جنب مع الخلفاء كان هناك الحريصون على مصدر التعاليم الإلهية بجمع القرآن وتصحيفه فكان العبادلة سيدنا عبد الله بن مسعود و سيدنا عبد الله بن عمر سيدنا عبد الله بن الزبير سيدنا عبد الله بن العباس.

سادسا:كان دور الحفاظ على الأصل الثانى من الدين وهو سنة الحبيب المصطفى  فقام الإمام أبو حنيفة النعمان والإمام مالك بن أنس والإمام الشافعى والإمام أحمد بن حنبل بجمع كلِّ ما يحتاج إليه المسلم من أحاديث العقائد والعبادات والمعاملات.

سابعا:لم يبق للمسلم غير العبادة بالنوافل على أساس وبغير تخبط في استخدام العقل، أو السير والذكر بغير هدى من الله فكان الأربعة أقطاب الذكر لتنظيم العبادة بالنوافل لكل من أدى الفرائض وأراد الاجتهاد فى ذكر الله وهم السادة أحمد الرفاعى، عبد القادر الجيلانى، أحمد البدوى، إبراهيم الدسوقى.وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى والنبي  بالرجوع إلى أهل الذكر فيما لانعلم ونستعين بالخبير ونكون مع الصادقين وأن يكن لنا وليا مرشدا إليه،والأمر قد وضَّحه رسول الله  بأن الدعوة إلى الله تكون بالحكمة والحكمة عبارة عــن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم والحكمة من العلم والحكيم العالم والموعظة الحسنة لا بالقهر والقوة فإنهما سبيل ضعيف الإيمان قال تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل 125.

.. وللحديث بقية.

محمد صفوت جعفر


 

وَلِي نَظْمُ دُرٍ

الحمد لله الذى لم يتخذ وليا جاهلا وله الحمد أن جعل العلم وساما فوق جبين العاملين العارفين ونحمده على تزكيته من يشاء وهو أعلم بالمتقين والصلاة والسلام على خير الخلق على الإطلاق سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد اللهم صلِّ عليه وآله وسلم.

نرجو من القارئ الكريم فى أن يتوجَّه معنا إلى زاوية أخرى فيما يتعلق بالإنسان وسنجد أن الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى في مسيرة حياته الطويلة التى لا نعرف عنها إلا القليل، شخص فريد متعدد الجوانب  ضرب في كلِّ ضرب من ضروب العلم بسهم وافر، كما سيجئ موضوع بحثنا هذا. فهو كما يقول عنه أحد العلماء المصريين  (كنت أحسب أن هذا السودانى كتاباَ فوجدته مكتبة).

يقول الشيخ رضي الله عنه:

كم من فهومٍ مادحاتٍ لى وقد      ذمَّت ومن دُبُر قميصىَ قدَّتِ

ونكررأننا لا نريد أن نمدحه فقد مدح نفسه بأبلغ ما يكون وإذا علمنا أنه أحد أولياء الله فسيستبين لنا أن مدحه لنفسه لم يكن رياء وإعجابا بالنفس وإنما اعترافا بنعم الله تعالى. ويحكى سيدى الإمام الشعرانى رضى الله عنه أن شيخه سيدى على الخواص كان يقول (التحدث بنعمة الله تعالى في  غيرما فتنةٍ   ولا غرضٍ خاص بالأكابر من الأولياء، فى كل عصرٍ بخلاف غير العارفين فربما دخل الرياء على أحدهم فى تحدثه بما أنعم الله عليه) وإنما نحن وكالعادة  تشدُّنا الكلمات شدَّا نحو تذوق طعمها الشهىِّ وشرب مائها النقى فهاهى البلاغة تسير بقدميها نحوك وتفتح أذنيك لتسمعها رغم أنفك وليتك تسلم بعد ذلك، فهى تجعلك هائما بها سنين دأبا.

ولتسمع نفسك وأنت تقرأ البيت مرة أخرى:

كم من فهومٍ مادحاتٍ لى وقد     ذمَّت ومن دبُرٍ قميصى قدَّتِ

 أفادت تلك الكلمات بترتيبها وتناسقها معنى أن كثيرا من العقول صاحبة الفهوم قد مدحته، فكم خبريَّة تفيد الكثرة واختار الناظم أن يكون تمييزها جمعا مجرورا مما يؤكِّد كثرة الفهوم المادحة.

ويبدو أن هذا المطلع مما يفرح  القارئ  ويبهجه إذ إن مدحه رضى الله عنه محمود ومرغوب ومن منا لا يريد ان يمدح شيخه؟ وكيف لا يمدحه وهو مربى روحه ومهذِّب أخلاقه؟ ولا تتفاجأ أخى القارئ اذا علمت عجز البيت فهذه الفهوم المادحة هى فى واقع الامر قد ذمَّت وان كان قصدها المدح  بل قد اجرمت ؛وقد اثبت الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى ذلك بقوله وباسلوب الكناية والقصر  <ومن دبر قميصى قدَّتِ> فهو يكنى عمن عجز عن مدحه. وكلُّنا عاجز. بمن قدَّ قميصه من دبر وأسلوب القصر يتمثَّل فى تقديم الجار والمجرور وكذلك المفعول فهو بذلك قدأكَّد قدَّ القميص ومن دبر على وجه الخصوص.

واذا تأمَّلت قوله تلمح ذلك البريق الوضاء على وجه الوضَّاء الذى  يتلخَّص فى الجمال بكل معانيه والذى هو هبةٌ من الله لمن خصه من عباده بالكرامة والاجتباء وهو يطلب الخفاء ويُخفي مقامه عن الناس و يحاول الإفلات ولكن إلى اين المفر؟ قد كان دليل براءته ان قد قميصه من دبر...اقتباس رائع من القران تشبيه لمن اراد ان يمدحه فذمَّه وكان ان فعل فعلته وقُدَّ قميصه من دبر جزاء ابتعاده وهروبه من المدح والإطراء إذا هو فى غنى عنه... ومن يكون ذاك الذى يريد ان يمدحه؟.

ها هو الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فى حياته يترفَّع عن ما يسعى   إليه الاخرون من مدح وزهو وفخر فكان خافيا بذلك عن الأبصار بل والبصيرة وتأييدا لذلك يقول فى إحدى قصائده:

عصارة ما فى الكون لكن لحكمةٍ     خفيتُ عن الأبصار بل والبصيرة

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وآله وسلم

الوسيلة إبراهيم