العد د السادس (يوليو)

 

                          لولا هواهم في القلوب وفي الحشا
مـــا ذاق قـلـب لـــــذة الإيمــــــــان
          

 

  وردت إلى الجريدة عدة خطابات من أولياء أمور طلبة مرحلة الأساس التي تحتوي في مجملها على عدة تساؤلات حول مناهج التربية الإسلامية والتي تحتوي على عدد من النقاط التي تمس عقيدة المسلم وخصوصا النشء من هم شباب الغد ورجال المستقبل وهذه النقاط في مجملها تدور حول زيارة أضرحة الصالحين والتوسل بهم والتـــــبرك بآثارهم وهل يعتبر هذا شركاً ووثنية؟

وقد تم عرض هذه الخطابات والأسئلة الواردة على اللجنة الدولية للتأليف والتدريس والترجمة بالطريقة البرهانية وكان لنا معهم هذا اللقاء.

يقول الأستاذ محمد رشاد حسين:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن سار على نهجه وهداه { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} سبحانه وتعالى اصطفى من عباده من صلح للإرشاد فى هذا الدين الحنيف وخصهم بعنايته ورعاهم برعايته، نظر إليهم فأمنوا وأمَّنوا غيرهم، وأعطاهم فجادوا بما عندهم فهم القائمون بأمر الله الحافظين لحدود الله بهم يسعد الشقى وبهم يهتدى الضال وبهم يضاء سبيل السالكين فهم الصفوة الطاهرة المطهرة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفى هذا يقول الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فى ديوانه شراب الوصل.

إذا مـا ضـلَّ أبــناء النبــى       ترى من للهداية بعد كـانـا

فـهل أبنـاء طه غـير قــوم        يطهرنا الذى كـان اصطفانا

ليذهـب كـل رجس أى رجـس      فهل تكفيرنا يرضـى أبانـا

بنا أوصى وقال الحوض حوضى       وفى القرآن يرضيه رضانا

رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه ؛ أخى الفاضل ارجوا أن يوفِّقك المولى إلى هذه الرسالة بالقلب والعين فهى تعرض قضيه شغلت الأذهان أزمان طويلة وما زالت مثار جدل واتهام وهو التوسل بالصالحين وزيارة قبورهم وحلق الذكر وتقبيل الأحجار فمن فعل ذلك فهو مشرك وكافر، مع أنه لم يتوافر لديهم دليل واحد على عدم جواز تلك الأمور، ولكنه دخان عمَّ وفاحت رائحته،ولأن الحق يقتضى سؤال أهل الدين وأهل العلم وأدلَّتهم على جواز هذه الأمور وقرع الحجة بالحجَّة حتى يتبين ما إذا كانوا على حق أم كانوا على باطل، وبهذا يتجنَّب كل معترض الحكم على من يتوسل بالصالحين أو يقوم بزيارة قبورهم أو يقوم بتقبيل الأحجار بما يوقعه فى الإثم والحرج، فاعلم أيها المعترض أن أهل الله و المحبين على صواب فقد غابت عنك حقائق الأشياء والحق يقول {وفوق كل ذى علم عليم}

وقال النبى : (وسيتخذ الناس فى آخر الزمان رؤساء جهالاً فيسألونهم فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون). وقال الإمام على (إذا أعرض الله عن العبد أورثه الإنكار على أهل الدين).

وقال يحى بن سعيد وهو من كبار التابعين (أهل العلم أهل توسعة فإذا ظهر فلا يعيب هذا على هذا لاتساع دائرة العلم عندهم) فلا بد من ظهور الحكمة وكلُّ ذلك حسب مقتضيات الظروف والأحوال فإن ذلك يدل على عظمة الدين وشموله لأنه يصلح لكل زمان فإذا اشتبه على المسلمين أمرفالحق وجهتهم وقال {فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} فسؤال أهل الذكر مطلق غير مقيد دون طلب دليل فلا يطلبه عامىٌّ أو جاهلٌ بالكتاب والسنة لأن أهل الذكر موثوق بأمانتهم فلا يحللون ولايحرمون بآرائهم ولا أهوائهم لشدة خوفهم من الله فليس لهم هوى إلا مراد الحق فعدم الرجوع إلى العلماء العاملين أوقع الأمة فى هذه المسائل بل تعدى الأمر أكثر من ذلك فقد أجازوا لكل إنسان أن يأخذ دليله من الكتاب والسنة وهو يجهل درجة الحديث والمتقدم منه والمتأخر وماله من معارض غير ذلك ولو سألتهم هل يمكن أن يتدخل كل إنسان فى خصائص الصناعات أو مع صاحب حرفة أو مهنة وأن يتولاها ويكون القائم عليها،لا شك أن ذلك لا يجوزعندهم فكيف يجيزون بل يوجبون على كل الناس أن يأخذوا أدلَّتهم من الكتاب والسنَّة، فكان هذا سبباً أساسياً فى فتح باب الأهواء التى جعلت من الكتاب والسنة لعبة لأؤلئك المضلِّين.

ويقول الأستاذ أبو مسلم فرج سالم:

أخى الفاضل أننا لسنا بصدد إثبات جواز التوسل وزيارة القبور فبعون الله سيكون ذلك فى رسائل آخرى على صفحات تلك الجريدة ولكن سياق الحديث عن معنى الشرك جعلنا نذكر بعضاً من هذه المسائل الخلافية التى بنوا عليها حكمهم بأن من يفعلها يكون مشركاً فمثلا يقولون بأن عدم الزيارة لقبور الصالحين وتقبيلها وما شابه ذلك لسد الذرائع فهو قول باطل ومردود لأنه لو كانت القاعدة عامة لم يحلَّ لنا استقبال الكعبة وهى من الحجارة والطين ولا الطواف حولها ولا تقبيل الحجر الأسود ولا مسَّ الركن اليمانى ولا رمى الجمار وهى حصى ولا السعى بين الصفا والمروة وهما جبلان، لأن ذلك أيضا ربما يؤدى إلى الشرك بالمفهوم الخاص بهم فالذى فرض علينا ذلك هو الذى سنَّ لنا الزيارة وسنَّ لنا التوسل وسنَّ لنا التقبيل وسنَّ لنا التبرك، كذلك فان الحق أمرنا بتعظيم كل شعيرة واحترامها. وشعائر الله عبارة عن أمكنة مقدسة مباركة يتضاعف فيها الثواب وأعتقد أنهم لا يستطيعون أن ينكروا هذه الأمور فلماذا إذن توقفت البركة والاحترام والتعظيم عند الصالحين.. ولماذا قيدت البركة فى الأحجار التى جعلها الله لنا شعائر وجب تعظيمها فأيهما أقرب للشرك الركن اليمانى أم تقبيل يد نبى أو ولى؟ ثم أنظر أخى الفاضل وتأمل قول الحق سبحانه وتعالى {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} فالذى وضع البركة والشفاء فى العسل هو الذى وضعها فى المؤمن الصالح وفى القرآن أيضا ذكر قبضة التراب التى قبضها السامرىُّ من أثر حافر فرس سيدنا جبريل وليس من أثر سيدنا جبريل، وألقاها فى العجل فخار وحيى بإذن الله ترابٌ من أثر فرس وكذلك كان قميص سيدنا يوسف سببا فى ردِّ بصر سيدنا يعقوب فليس الأمر أمر تقبيل حجر لكونه حجراً ولكن لأمر آخر أسمى وأعلى وراء هذه المظاهر وهذا هو الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى ينفى عن أتباعه ومحبيه فيقول فى أحد قصائده من ديوان شراب الوصل وهى أيضا لكلِّ من يقف على طريق الحق.يقول :

الحج لله فى مجلاه مكرمة       وبيته بيته مـن غـير إظهـار

ولم يكن بيته طينا ولا لبنا      وليس مقصود قومى لثم أحجار

فقد وضح أن ما وراء الأمر الظاهر سر خفى حار فيه الناس فهو ينفى البيت الذى من طين ويثبت بيتاً آخر ويكفى الإشارة فإن وراء ما قاله ما لا يتسع المقام أن نتحدث فيه وقال:

ولا كلُّ من لبَّى وهرول محـرمـا     كما أن أرواح الامـاجد لبَّت

ولا كلُّ من يرمى الجمار على منى    بقاتل نفـــسٍ أو مبلغ بغيتى

فهذا هو الإمام احمد يسأله ابنه سيدنا عبد الله عن الرجل يمسُّ منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبركا بمسِّه وتقبيله ويفعل بالقبر الشريف مثل ذلك رجاء ثواب الله؟ فقال الإمام أحمد لا باس به. ولما عُرضت هذه الفتوى على ابن تيمية وهو معروف بشذوذه وخروجه تعجب وقال الإمام أحمد عالم جليل يقول هذا! فى الوقت الذى روى ابن تيمية نفسه أن الإمام أحمد غسل قميصاً للإمام الشافعى وشرب الماء الذى غسله به فهذه الرواية من ابن تيميه المصرَّحة بتبرك الإمام أحمد بأثر الإمام الشافعى فلمَ التعجب من فتوى الإمام احمد؟

ولذلك قال الشيخ يوسف الدجوى: (هذه نزعة من شر النزعات التى ابتلى بها المسلمون من الذين يدعون أنهم الفرقة الناجية وأنهم على الكتاب والسنة،فى الوقت الذى يشيعون فى الأرض الفساد، وينقصون من قدر الصالحين) {إنْ فى صدورهم إلاَّ كبر ما هم ببالغيه}

ويقول الأستاذ محمد صفوت جعفر:

أخى الفاضل حان الوقت لاقف بك قليلا عند معنى الشرك فى أمَّة النبىِّ صلى الله عليه وآله وسلم أخرج الأمام أحمد في مسنده و الطبرانى عن سيدنا أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أتخوَّف على أمتى الشرك والشهوة الخفية قال سيدنا انس: أتشرك أمتك من بعدك قال: أجل إلا أنهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا ولا حجرا وإنما يراءون بأعمالهم والشهوة الخفية أن يصبح المرء صائما فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه) فالشرك كما وصفة الحديث هو الرياء أى يقصدون الرياء بأعمالهم متظاهرين أمام الناس بأنهم على الهدى أو أنهم محسنون

واقرأ قوله سبحانه وتعالى {فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} يراءون لأن قلوبهم منشغلة بغير الله سبحانه وتعالى منصرفة إلى الخلق وإلى شهوات النفس و الدنيا.. والقاعدة الشرعية إذا توجه المصلي إلى غير الكعبة فلا تصح صلاته كذلك إذا توجَّه القلب إلى غير الله لا تصح صلاته فقد روى أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس من حديث أبى بن كعب وروى محمد بن نصر المروزى فى كتاب الصلاة من رواية عثمان بن أبى دهرشى مرسلا (لا يقبل الله من عبده عملا حتى يشهد قلبه مع بدنه) فصلاة الغافل نقصان والنقصان فى الصلاة هلاك فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون. قال سيدنا عبد الله بن سيدنا العباس رضى الله عنهما قال هم المنافقون يتركون الصلاة سراً ويصلونها علانية فالذى يسهو عن صلاته فهو ساهٍ عن الصلاة ذاتها غير ساهٍ عن الناس فهو يحسن الصلاة من أجل رؤية الناس.غافل عن الله والحق يقول {يا أيها الناس ان من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} نزلت فى عون بن مالك الأشجعى.كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا اليه ورققوه فقالوا إلى من تدعنا فيرقَّ لهم فيقيم . وهذا يبين وجه العداوة فالعدو لم يكن عدواً لذاته وإنما عدواً بفعله وقولِه وجهلِه وليس هناك فعل أو قول أقبح من الحيلولة بين العبد وبين أمور عقائدية واجبٌ على كلِّ مسلم أن يعلمها ويتعلمها ويؤمن بها لذلك حذر الإمام فخر الدين الجلوس إلى مثل هؤلاء فقال:

ظنُّ أهل السوء سوءٌ لو علمتم      فاهجروهم بئس مثوى الكافرين

 وقال: 

ليتهم لو حقــقوا أو دقــقوا       بل يقولـوا نحن جمع منتصر

فالعداوة عداوة فعل وقول . عداوة النفس وعداوة الأهل وعداوة الأولاد وعداوة الدنيا وعداوة إبليس وكلهم بمثابة أولياء لك فهى ولاية ضلال وإسراف وليست ولاية حق والمشار إليها فى كتابه العزيز {ألا أن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} فاعلم يا أخى الفاضل أن القول باللسان والعمل بالجوارح إذا لم يتوافر فيه حضور القلب مع كل حرف وكل فعل يكون كالسراب. فمن أجل هذا كان اهتمام الصالحين الزاهدين بتطهير قلوب محبيهم لأن تطهير القلب وتزكيته من أساسيات الدين فالحق سبحانه وتعالى عَّلق النجاة على سلامة القلب قال تعالى {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} وخصَّه النبى بالذكر فقال صلى الله عليه وآله وسلم (ألا وأنَّ فى الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب) فالقلب محل نظر الله وتعظيم شعائر الله مرتبطة كلَّ الارتباط بتقوى القلوب فإذا تعَّلق القلب بالسِوى ومحبة الغير فهى عبودية لغير الله قال تعالى {وقيضنا لهم قرناء فزيَّنوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} وقال سيدنا عيسى عليه السلام (من اتخذ أهلاً ومالاً وولداً كان للدنيا عبدا) والحديث الصحيح

(تعس عبد الدنيا، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس) فلا بد من تحرر الإنسان من عبودية الأشياء

وقد أشار الإمام فخر الدين إلى هذا المعنى فقال :

تعســاً لعبد الفهم بئـس إـناؤه    من ناضح بـالرى للظمــآن

تعسا لعبد الوهم ضل وما أهتدى     ضل الطريق وباء بالخـسران

يابئس عبد المال مــالت رحله     وبنت غشاوتـه بـناءً فـانى

وهذا هو نبى الله سيدنا عيسى يمر على قوم يعبدون الله فسألهم ماذا تفعلون قالوا: نعبد الله قال:لماذا؟ قالوا طمعاً فى جنته وخوفاً من ناره. فقال لهم: مخلوقاً طمعتم ومخلوقاً خفتم فما كان طمعهم فى الله ولا خوفهم من الله. ومرَّ على قوم يعبدون الله فسألهم ماذا تفعلون؟ قالوا: نعبد الله قال: لماذا؟ قالوا: حبَّا فى الله فقال: أنتم أولياء الله وأمرت أن أكون معكم. فتدبَّر هذا وتعقَّله وافهم المراد من الأمر أو النهى وقالوا:

امتحن الله بها خـلقه       فالنار والجنة فى قبضته

فهجره أعظم من ناره      ووصله أطيب من جنته

فالمتأمل للقرآن وآياته وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلِّم بالعجز وعلم كم هو مفتقر للاتباع والسير خلف الصالحين .يقول الحق سبحانه وتعالى {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} فالآية جمعت بين صلاة القضاء وبين صلاة الإقامة. ومعنى هذا أنها وقعت بين غافل عن الله وذاكرٍ لله . فصلاة القضاء صلاة غافلٍ وصلاة الإقامة صلاة ذاكرٍ . والحق قال {وأقم الصلاة لذكرى} لأن الصلاة مناجاة ولا تكون المناجاة مناجاة إلا إذا عقل القلب، فاللفظ القرآنى أتى {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} وقال تعالى {وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة} ولم يقل صلوا أو اقضوا بل أقيموا وقال الإمام الغزالى (الصلاة كالأعضاء للجسد والخشوع روحها فإذا حصل الخشوع حصل الحضور مع الحق وليس مع الخلق فصارت قائمة لأن الشئ لا يقوم إلا إذا كانت له روح وأما إذا لم يكن له روح فهو كميت لا روح له . واما قوله تعالى {وأتوا الزكاة} قال الشيخ أحمد بن إدريس (لأنَّ المحبين للمال إدعوا أن لهم أموالاً وهى ملكهم فما ألطف الحق حين سلَّم لهم على دعواهم هذه فقال: سلَّمنا بما قلتم وادعيتم وعليكم من المال الذى ملكتم الزكاة. وهو العشر أو نصف العشر أو ربع العشر مع أنه سبحانه وتعالى قال لنا {وأتوهم من مال الله الذى آتاكم} فكل هذه أمور دقيقة خفيت عن كلِّ غافل، من أجل ذلك لم يملك الأنبياء ولا الصالحين شيئاً لعلمهم أن ما فى أيديهم جميعه لله. وهذا هو الإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعى رضي الله عنهما كانا قاعدين إذ مرَّ شيبان الراعى فقال الإمام أحمد للإمام الشافعى إنى أريد أن أسال شيبان سؤالا فقال له الإمام الشافعى: لا تفعل.قال: لابد قال له الشافعى: دونك وإياه. فقال الإمام أحمد: يا شيبان كم الزكاة في الغنم؟ فقال: أعلى مذهبكم أم على مذهبنا؟ فقال:أوهما مذهبان؟ قال: نعم قال: أفتنى فيهما. فقال: أما على مذهبكم ففى الأربعين شاة، وأما على مذهبنا فلا يملك العبد مع سيده شيئا. ثم سأله عن العبد إذا سها فى الصلاة بزيادة أو نقصان بم يصلحه؟ فقال: أعلى مذهبنا أو على مذهبكم؟ فقال: على كلا المذهبين. فقال: على مذهبكم يجبر بالسجود وعلى مذهبنا هذا قلب غافل يجب تأديبه فخر الإمام أحمد مغشياً عليه.

فالذين يراءون فى الصلاة هم المشركون ويمنعون الماعون وهو الإناء. فالحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعل قلبه كالإناء فمنعه وشغله بغيره فالذى يقول بالشرك وهو لا يعلم حقيقته لأنه أمر دقيق فالشرك فى أمة النبى صلى الله عليه وآله وسلم أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء.

فالرياء على قسمين أحدهما الرياء بالعمل لأجل غير الله وهذا نوع من الشرك الثانى أن ترى لنفسك عملاً وتقول ''أنا عابد مجتهد'' قال تعالى {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضلَّ سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} وقال أيضا: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت أتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} فالأولياء فى الآيتين ولاية باطل وعلو غير حقيقى كعلو فرعون {أنا ربكم الأعلى} فليس هذا بعلو ولكن انظر إلى علوِّ سيدنا موسى فهو علو تحقيق {إنك أنت الأعلى} هكذا قال الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فالولاية فى الآية ليست ولاية تحقيق لأنها ولاية غيرالله أما ولاية التحقيق فهى بالله. كما أن الآية ليس المعنى فيها مقتصر على من يعبد الصنم والشمس والقمر وغير ذلك بل إذا ركن الإنسان إلى نفسه أو ماله أو هواه فقد اتخذ من دون الله أولياء فهؤلاء الولاة كبيت العنكبوت فيظن أنه اعتمد على شئ ثابت وهو واهى،هكذا قال الإمام الشيخ احمد بن أدريس.

فلو اتكل الإنسان على عمله ولو عمل عملا لم يعمله أحد وعبد عبادة الأنبياء والأولياء واتكل عليها وجعل نظره إليها فقد اتخذ من دون الله أولياء،لأنه ظنَّ أن عمله ينجيه كمثل العنكبوت اتخذ بيتاً فهل يقيها من الحر والبرد، والحديث (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. فقالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمَّدنى الله برحمةٍ منه وفضل) والحق سبحانه وتعالى يقول {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}،وقال بعض الصالحين لبعضهم: بم تلق الله قال بفقرى وفاقتى قال: تلقاه إذا بالصنم الأعظم قال: فبم ألقاه قال: ألقه به فهو سبحانه وتعالى الجواد الكريم يعطى عبده فوق ما يظن به.

وأخرج القرطبى عن مجاهد أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنى أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله تعالى.فقال: فيذكر ذلك منى وأحمد عليه فيسرُّنى ذلك وأعجب به فسكت النبى ولم يقل شيئا فنزل قوله تعالى {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربِّه أحدا}.

وأخرج القرطبى أيضا عن شهر بن حوشب كان عبادة بن الصامت وشداد بن آوس جالسين فقالا: إنا نتخوَّف على هذه الأمة من الشرك والشهوة الخفية. فأما الشهوة الخفية فمن قبل النساء. وقالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من صلَّى صلاة يرائى فيها فقد أشرك ومن صام صياماً يرائى فيه فقد أشرك ثم تلا قوله تعالى. {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}.

وهذا طاهر بن الحسين قال لأبى عبد الله المروزى: منذ كم صرت إلى العراق؟ قال: دخلت العراق منذ عشرين سنة ، وأنا منذ ثلاثين سنة صائم فقال: يا عبد الله سألتك عن مسألة و أجبتنى عن مسألتين ! وحكى الأصمعى أيضا أن أعرابياً صلى صلاة فأطال فيها وإلى جنبه قوم فقالوا له: ما أحسن صلاتك فقال وأنا مع ذلك صائم. أين هؤلاء من الأشعث بن قيس وقد صلى فخفف، فقيل له: خففت الصلاة. فقال إنه لم يخالطها رياء. فسبحان من قرب أقواماً لحضرته وحجبهم عن الأغيار وأبعد آخرين فضربهم بسيف البعد، فكم من أناس صلوا وملأوا المساجد بالعبادات فلم ينفعهم ما جمعوا، قطعوا أيامهم فى الشهوات فوقعوا فى شباك الغفلة فحجبت عنهم أنوار الأيمان وقال بعض الصالحين:

بحجاب النفس قومى حجبوا     ويحـهم كـم يدعون الفطنا

غرَّهم علم رسوم قنعوا منه      بالقشــر فظنوه  المـنى

وإذا ما جهلوا أنفســهم أى     شئ  عـرفوه هــا هنا

يعبدون الَله خوفاً من لظـى     فلظى قـد عـبدوا لا ربنا

ولدار الخلد صــلوا لا له      مثل قوم يعبدون الوثنــا

أنا مفتون بمـــحبوب به     كل من كان قبلى  فتنــا

أينمــا وليت ألقى وجهـه     ظاهراً أفديه وجها حسنا

ولكـصمت وصليت لــه     بل به حتى محوت الزمنا

أخى الفاضل نختم هذه الرسالة بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذى أخرجه أبو يعلى والإمام السيوطى عن سيدنا عبد الله بن سيدنا العباس رضى الله عنهما قال: لما فتح النبى صلى الله عليه وآله وسلم مكة رنَّ أبليس رنة فاجتمعت إليه ذريته فقال: إيأسوا أن تردوا أمه محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا !

وأخرج البخارى ومسلم واحمد والطبرانى عن سيدنا عبد الله بن العباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إنى والله ما أخاف عليكم أن تشركوا من بعدى ولكن أخاف عليكم أن تنافسواالدنيا) وعن عقبة بن عامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خرج إلى قتلى أحُد فصلي عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع إلى المنبر فقال: پإن بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، ألا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها.قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وفي رواية: ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم، قال عقبة فكانت آخر ما رأيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على المنبر.وفي رواية قال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها.والمراد بالصلاة على قتلى أحُد والدعاء لهم لا الصلاة المعروفة.

 وفي الختام تفتح رايات العز باب القراء للإجابة على كل أسئلتهم، وترد الرسائل بالبريد العادي والبريد الإلكتروني المدونة بالجريدة               

واخيرا نحمد الله ربى التوفيق إلى كتابه هذه الرسالة، وصلى الله وسلم على الحبيب المصطفى سيدنا محمد وآله وسلم، ورضى الله عن مشايخنا أصحاب الفضل والخير وجزاهم الله خيرا عنا.

هادية الشلالي