السيدة مريم سيدة النساء

السيدة مريم

 

السيدة فاطمة الزهراء

انتهت المقالة السابقة فى الحديث عن مكانتها رضى الله عنها من النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت رضى الله عنها أشدهم شبها برسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: ﴿ما رأيت أحد أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت قام إليها فقبلها، ورحب بها، وأخذ بيديها وأجلسها فى مجلسه، وكانت هى إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته، وأخذت بيده، وأجلسته مكانها، فدخلت عليه فى مرضه الذى توفى فيه فأسر إليها فبكت ثم أسر إليها فضحكت، فقلت: كنت أحسب لهذه المرأة فضلا على النساء فإذا هى امرأة منهن. بينما هى تبكى إذ هى تضحك، فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن ذلك قالت: أسر لى أنه ميت فبكيت، ثم أسر لى أنى أول أهله لحوقا به فضحكت رواه ابن حبان.

من خصائصها ومزاياها على غيرها الكثير منها: أنها أفضل هذه الأمة: فقد روى أحمد والحاكم والطبرانى عن أبى سعيد الخدرى -بإسناد صحيح مرفوعاـ ﴿فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم﴾ وفى رواية صحيحة ﴿إلا ما كان من مريم بنت عمران)

وحول ترتيب الأفضلية قال السبكى: الذى نختاره وندين لله به أن فاطمة أفضل! ثم خديجة! ثم عائشة! قال: ولم يخف عنا الخلاف فى ذلك، ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر العقل! قال الشيخ شهاب الدين بن حجر الهيتمى: ولوضوح ما قاله السبكى تبعه عليه المحققون.. وممن تبعه عليه: الحافظ أبو الفضل بن حجر فقال فى موضع: هى مقدمة على غيرها من نساء عصرها، ومن بعدهن مطلقا.

وأما قول ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح.

وإن أريد كثرة العلم فعائشة.

وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وهى فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها.

وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها.

وما امتازت به عائشة من فضل العلم، لخديجة ما يقابله وأعظم فهى أول من أجاب إلى الإسلام ودعى إليه، وأعان على إبلاغ الرسالة بالنفس والمال والتوجه، فلها مثل أجر من جاء بعدها إلى يوم القيامة.

قال البعض: لا أعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وممن صار إلى ذلك المقريزى والسيوطى.

أما نساء هذه الأمة فلا ريب فى تفضيلها عليهن مطلقا، بل صرح غير واحد أنها وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحابة حتى الخلفاء الأربعة.

وأفضليتها على بقية أخواتها، فقد ذهب الحافظ بن حجر أنها أفضل من بقية أخواتها، لأنها ذرية المصطفى دون غيرها من بناته، فإنهن متن فى حياته، فكن فى صحيفته، ومات فى حياتها فكان فى صحيفتها، وأخرج الطحاوى وغيره من حديث السيدة عائشة فى قصة مجئ زيد بن حارثة بزينب بنت المصطفى، قال النبى صلى الله عليه وسلم ﴿هى أفضل بناتى أصيبت فى﴾ فأجاب عنه بعض الأئمة -بفرض ثبوته- بأن ذلك كان متقدما، ثم وهبه الله فاطمة من الأحوال السنية والكمالات العليا ما لم يطاولها فيه أحد من نساء هذه الأمة مطلقا.

على أن البزار روى عن السيدة عائشة أنها قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ﴿هى خير بناتى أنها أصيبت بى﴾.

وعليه فلا حاجة للجواب المتقدم بنصه الصريح على أفضليتها مطلقا.

وأنه يحرم التزويج عليها والجمع بينها وبين ضرة، فقد قال المحب الطبرى: قد دلت الأخبار ـأى المارة- على تحريم نكاح الإمام علىّ على فاطمة حتى تأذن.

ويدل عليه قوله تعالى {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} لكن تبين من كلام جمع متقدمين من أئمتنا الشافعية أن ذلك من خصائص بناته جميعا، لا من خصائص السيدة فاطمة فقط.

لكن استوجه الحافظ ابن حجر أنه خاص بفاطمة، لأنها كانت أصيبت بأمها وأخواتها واحدة فواحدة، فلم يبق من تأنس به ممن يخفف عنها ألم الغيرة وفيه نظر.

محمد عادل

السيدة مريم

وذكر السدي بإسناده عن الصحابة أن مريم دخلت يوما على أختها فقالت لها أختها أشعرت أني حبلى فقالت مريم وشعرت أيضا أني حبلى فاعتنقتها وقالت لها أم يحيى إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك وذلك قوله مصدقا بكلمة من الله ومعنى السجود ههنا الخضوع والتعظيم كالسجود عند المواجهة للسلام كما كان في شرع من قبلنا وكما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم وقال أبو القاسم قال مالك بلغني أن عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ابنا خالة وكان حملهما جميعا معا فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم اني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك قال مالك أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السلام لأن الله تعالى جعله يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص رواه ابن أبي حاتم وروى عن مجاهد قال قالت مريم كنت إذا خلوت حدثني وكلمني وإذا كنت بين الناس سبح في بطني ثم الظاهر أنها حملت به تسعة أشهر كما تحمل النساء ويضعن لميقات حملهن ووضعهن إذ لو كان خلاف ذلك لذكر وعن ابن عباس وعكرمة أنها حملت به ثمانية أشهر وعن ابن عباس ما هو إلا أن حملت به فوضعته قال بعضهم حملت به تسع ساعات واستأنسوا لذلك بقوله فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة والصحيح أن تعقيب كل شيء بحسبه لقوله فتصبح الأرض مخضرة وكقوله فخلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ومعلوم أن بين كل حالين أربعين يوما كما ثبت في الحديث المتفق عليه قال محمد بن اسحاق شاع واشتهر في بني اسرائيل أنها حامل فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا قال واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الذي كان يتعبد معها في المسجد وتوارت عنهم مريم واعتزلتهم وانتبذت مكانا قصيا وقوله فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة أي فالجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة وهو بنص الحديث الذي رواه النسائي بإسناد لا بأس به عن أنس مرفوعا والبيهقي بإسناد وصححه عن شداد بن أوس مرفوعا أيضا ببيت لحم الذي بنى عليه بعض ملوك الروم فيما بعد على ما سنذكره هذا البناء المشاهد الهائل قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتن وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات اليه المعتكفات فيه ومن بيت النبوة والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت ان لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو كانت نسيا منسيا أي لم تخلق بالكلية وقوله فناداها من تحتها وقرىء من تحتها على الخفض وفي المضمر قولان أحدهما أنه جبريل قاله العوفي عن ابن عباس قال ولم يتكلم عيسى إلا بحضرة القوم وهكذا قال سعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والضحاك والسدي وقتادة وقال مجاهد والحسن وابن زيد وسعيد بن جبير في رواية هو ابنها عيسى واختاره ابن جرير وقوله أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا قيل النهر واليه ذهب الجمهور وجاء فيه حديث رواه الطبراني لكنه ضعيف واختاره ابن جرير وهو الصحيح وعن الحسن والربيع بن أنس وابن أسلم وغيرهم أنه ابنها والصحيح الأول لقوله وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فذكر الطعام والشراب ولهذا قال فكلي واشربي وقري عينا ثم قيل كان جذع النخلة يابسا وقيل كانت نخلة مثمرة فالله أعلم ويحتمل أنها كانت نخلة لكنها لم تكن مثمرة إذ ذاك لأن ميلاده كان في زمن الشتاء وليس ذاك وقت ثمر وقد يفهم ذلك من قوله تعالى على سبيل الامتنان تساقط عليك رطبا جنيا قال عمرو بن ميمون ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب ثم تلا هذه الآية وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا شيبان حدثنا مسرور بن سعيد التميمي حدثنا عبدالرحمن بن عمرو الأنصاري عن عروة بن رويم عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا عمتكم النخلة فانها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم وليس من الشجر شيء يلقح غيرها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعموا نساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران وكذا رواه أبو يعلى في مسنده عن شيبان بن فروخ عن مسروق بن سعيد وفي رواية مسرور بن سعد والصحيح مسرور بن سعيد التميمي أورد له ابن عدي هذا الحديث عن الأوزاعي به ثم قال وهو منكر الحديث ولم أسمع بذكره إلا في هذاالحديث وقال ابن حبان يروي عن الأوزاعي المناكير الكثيرة التي لا يجوز الاحتجاج بمن يرويها وقوله فأما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا وهذا من تمام كلام الذي ناداها من تحتها قال كلي واشربي وقري عينا فأما ترين من البشر أحدا أي فإن رأيت أحدا من الناس فقولي له أي بلسان الحال والإشارة إني نذرت للرحمن صوما أي صمتا وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام قاله قتادة والسدي وابن أسلم ويدل على ذلك قوله فلن أكلم اليوم إنسيا فأما في شريعتنا فيكره للصائم صمت يوم إلى الليل وقوله تعالى فاتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ذكر كثير من السلف ممن ينقل عن أهل الكتاب أنهم لما افتقدوها من بين أظهرهم ذهبوا في طلبها فمروا على محلتها والأنوار حولها فلما واجهوها وجدوا معها ولدها فقالوا

لها يا مريم لقد جئت شيئا فريا أي أمرا عظيما منكرا وفي هذا الذي قالوه نظر مع أنه كلام ينقض أوله آخره وذلك لأن ظاهر سياق القرآن العظيم يدل على أنها حملت بنفسها وأتت به قومها وهي تحمله قال ابن عباس وذلك بعد ما تعلت من نفاسها بعد أربعين يوما والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال ثم قالوا لها يا أخت هرون قيل شبهوها بعابد من عباد زمانهم كانت تساميه في العبادة وكان اسمه هرون وقيل شبهوها برجل فاجر في زمانهم اسمه هرون قاله سعيد بن جبير وقيل أرادوا بهرون أخا موسى شبهوها به في العبادة وأخطأ محمد بن كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهرون نسبا فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على أدنى من عنده من العلم ما يرده عن هذا القول الفظيع وكأنه غره أن في التوراة أن مريم أخت موسى وهرون ضربت بالدف يوم نجا الله موسى وقومه وأغرق فرعون وملأه فاعتقد أن هذه هي هذه وهذا في غاية البطلان والمخالفة للحديث الصحيح مع نص القرآن كما قررناه في التفسير مطولا ولله الحمد والمنه وقد ورد الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ اسمه هرون وليس في ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها والله أعلم قال الإمام أحمد حدثنا عبدالله بن ادريس سمعت أبي يذكره عن سماك عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا أرأيت ما تقرؤن يا أخت هرون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا قال فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم وكذا رواه مسلم والنسائي والترمذي من حديث عبدالله بن إدريس وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديثه وفي رواية ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بأسماء صالحيهم وأنبيائهم وذكر قتادة وغيره أنهم كانوا يكثرون من التسمية بهرون حتى قيل إنه حضر بعض جنائزهم بشر كثير منهم ممن يسمى بهرون أربعون ألفا فالله أعلم

والمقصود أنهم قالوا يا أخت هرون ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبي اسمه هرون وكان مشهورا بالدين والصلاح والخير ولهذا قالوا ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا أي لست من بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم لا أخوك ولا أمك ولا أبوك فاتهموها بالفاحشة العظمى ورموها بالداهية الدهياء فذكر ابن جرير في تاريخه أنهم اتهموا بها زكريا وأرادوا قتله ففر منهم فلحقوه وقد انشقت له الشجرة فدخلها وأمسك ابليس بطرف ردائه فنشروه فيها.