المعرفة
معنى المعرفة لغويا: هى إدراك الشئ بتفكر وتدبر لأثره وهى أخص من
العلم، ويقال فلان يعرف الله ولا يقال فلان يعلم الله، لأن معرفة
البشر لله هى بتدبر آثاره دون إدراك ذاته، ويقال الله يعلم كذا ولا
يقال الله يعرف، فالمعرفة تستعمل فى العلم القاصر المتوصل به
بتفكر.
والمعارف هى العلوم والأسرار وهى الأذواق، فمن رآها وذاقها يقال له
عارف، ومن لم يصل لهذا المقام وكان من أهل الدليل يقال له عالم.
والفرق بين العالم والعارف أن:
العالم دون ما يقول، والعارف فوق ما يقول.
العالم يصف الطريق بالنعت لأنه نعت له فقط، والعارف يصفه بالعين
لأنه سار معه وعرفه.
العالم محجوب، والعارف محبوب.
العالم من أهل اليمين، والعارف من أهل المقربين.
العالم من أهل البرهان، والعارف من أهل العيان.
العالم من أهل الفرق، والعارف من أهل الجمع.
العالم من أهل قوله تعالى {إياك نعبد} والعارف من أهل قوله {وإياك
نستعين}.
العالم يدلك على العمل، والعارف يخرجك عن شهود العمل.
العالم يحملك حمل التكليف، والعارف يروحك بشهود التعريف.
العالم يدلك على محافظة الصلوات، والعارف يدلك على ذكر الله مع
الأنفاس واللحظات.
العالم يحذرك من الوقوف مع الأغيار، والعارف يحذرك فى الوقوف مع
الأنوار فيزج بك فى حضرة الجبار.
العالم يحذرك من الشرك الجلى، والعارف يخلصك من الشرك الخفى.
العالم يدلك على العمل خوفا وطمعا، والعارف يدلك على العمل محبة
وشكرا.
العالم يعرفك بأحكام الله، والعارف يعرفك بذات الله.
العالم يدلك على العمل لله، والعارف يدلك على العمل بالله.
وحقيقة العارف هو: الذى فنى عن نفسه وبقى بربه وكمل غناه فى قلبه،
لا يحجبه جمعه عن فرقه ولا فرقه عن جمعه، يعطى كل ذى حق حقه، ويوفى
كل ذى قسط قسطه.
وقيل أن المعرفة هى العلم بأربعة أشياء: الله والنفس والدنيا
والشيطان والذى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن المعرفة
بالله ما لها طريق إلا المعرفة بالنفس فقال (من عرف نفسه عرف ربه)
وقال (أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه) فجعلك دليلا على معرفتك به،
فالرسول عليه الصلاة والسلام ما أحالك إلا على نفسك لما علم أنه
سيكون الحق قواك فتعلمه به لا بغيره فإنه العزيز والعزيز هو المنيع
الحمى ومن ظفر به غيره فليس بمنيع الحمى فليس بعزيز لهذا كان الحق
قواك فإذا علمته وظفرت به يكون ما علمه ولا ظفر به إلا هو فلا يزول
عنه نعت العزة، فقد سد باب العلم به إلا منه.
ونقول أن المعرفة وجدناها منحصرة فى العلم بسبعة أشياء:
1.
علم الحقائق وهو العلم بالأسماء الإلهية.
2.
العلم بتجلى الحقائق فى الأشياء.
3.
العلم بخطاب الحق عباده المكلفين بألسنة الشرائع.
4.
علم الكمال والنقص فى الوجود.
5.
علم الانسان نفسه من جهة حقائقه.
6.
علم الخيال وعالمه المتصل والمنفصل.
7.
علم الأدوية والعلل.
فمن عرف هذه السبع المسائل فقد حصل المسمى معرفة ويندرج فى هذا
وغيره فى المعرفة.
أحمد عباس
كريم المولدين
وقف المؤذن فى شموخ الجبل يُسبح قبل أذان الفجر وكأنه يَسبح فى
أنوار وقت السحَر، والرب ينزل إلى السماء الدنيا مناديا هل من كذا
هل من كذا حتى يطلع الفجر، وقف الرجل على المئذنة فى تسابيحه
العلوية قائلا: الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله وخاتم رسل
الله، فقال ولدى: أو ليس سيدنا آدم أول خلق الله من البشر؟!! قلت
له: نعم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول خلق الله فى الخلق
أجمعين فهو صلى الله عليه وسلم القائل (كنت أول النبيين فى الخلق
وآخرهم فى البعث) رواه أبو نعيم فى الدلائل وغيره من حديث أبى
هريرة مرفوعا، فصلى الولد ونام قرير العين محبا لرسول الله صلى
الله عليه وسلم.
ثم سرحت أفكارى فيما رواه عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله
بلفظ (قلت يا رسول الله، بأبى أنت وأمى أخبرنى عن أول شئ خلقه الله
قبل الأشياء، قال: يا جابر، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور
نبيك من نوره) حديث طويل ذكره صاحب "كشف الخفا" مفصلا بتخريجه بغير
نكير وبرغم ذلك فهو قائم لا يهمل وها نحن نجليه حبا فى أمة الحبيب
صلوات ربى وسلامه عليه، أما عن الخلاف فى مسألة أولية خلق نور
النبى صلى الله عليه وسلم فهو قائم من قديم بين طائفة من العلماء
قليلة وأخرى هى جمهور العلماء من المحققين والأعلام.
أما الإمام فخر الدين رضى الله عنه فقد استدل بآيات الكتاب الكريم
نظرا لما ساد فى هذا الزمن من عجيب العجاب من تضعيف الأحاديث
واندثار العلم الصحيح، فعن مسألة أولية الحبيب المصطفى صلى الله
عليه وسلم يقول الحق تبارك وتعالى {الرحمن * علم القرآن * خلق
الإنسان * علمه البيان} فإذا كان تعليم القرآن سابقا على خلق
الإنسان فمن يا ترى تعلم القرآن من الرحمن؟! ومن يا ترى أحق من
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعلم القرآن قبل غيره، وهو فى ذاته
القرآن يمشى على الأرض؟ بل ومن يا ترى أحق منه بقوله صلى الله عليه
وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فإذا كان ذلك كذلك فالأمر كما
قرره السادة العلماء والأولياء هو أسبقية خلق نور النبى صلى الله
عليه وسلم.
وفى سورة الإنسان الذى هو الإنسان الكامل كما سيتضح من قول الله
تعالى {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا
خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا} قال
الإمام فخر الدين رضى الله عنه فى جواهر منطقه: إذا قيل أن الإنسان
المقصود فى هذه الآية هو سيدنا آدم عليه السلام نقول أن الآية توضح
أن الإنسان قد خلق من نطفة أمشاج فهل خلق سيدنا آدم من نطفة
أمشاج؟!! فلابد من معرفة الإنسان الأول الذى خلق من نطفة أمشاج،
فيكون هو النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم الذى خلق أولا باعتبار
نوره ثم خلق من نطفة أمشاج باعتبار تنزل هذا النور المركب فى سيدنا
آدم عليه السلام حتى خرج إلى الدنيا.
وقال الإمام الألوسى صاحب تفسير روح المعانى: إن جميع المخلوقات
علويها وسفليها سعيدها وشقيها مخلوق من الحقيقة المحمدية صلى الله
تعالى عليه وسلم كما يشير إليه قول النابلسى قدس سره دافعا ما يرد
على الظاهر:
كل البرية ثم لو ترك الغطا |
|
طه الرسول تكونت من نوره |
وأشار بقوله (لو ترك الغطا) إلى أن الجميع من نوره عليه الصلاة
والسلام ووجه الإنقسام إلى المؤمن والكافر بعد تكونه، فتأمل هذا،
ونسأل الله تعالى أن يجعل حظنا من رحمته الحظ الوافر وأن ييسر لنا
أمور الدنيا والآخرة بلفظه المتواتر.
وهو صلى الله عليه وسلم على ذلك مولود فى العلا مرة وفى الدّنا
مرة، وهو صلى الله عليه وسلم فى المولدين آية فى ظهور كرم الكريم
سبحانه وتعالى فى الوجود، حيث اسمه تعالى (الكريم) اسم لم يظهره
الله فى الوجود على التحقيق إلا فى شيئين أولهما القرآن وثانيهما
رسول الله ولو حققت فيهما لرأيت رسول الله، أو لم تقل السيدة عائشة
رضى الله عنها (كان قرآنا يمشى على الأرض) وتقول أيضا (كان خلقه
القرآن) فإن قال قائل: كيف يكون كرمه فى السماء، بل وفى الأرض
أيضا؟!! نقول تأمل قوله تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
أليست عوالم أهل السماء من العالمين؟!!
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه والطبرانى والبيهقى فى
الدلائل عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله {وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين} قال: من آمن تمت له الرحمة فى الدنيا والآخرة ومن لم
يؤمن عوفى مما كان يصيب الأمم فى عاجل الدنيا من العذاب من المسخ
والخسف والقذف.
وقال صاحب روح المعانى:
أكثر الصوفية قدست أسرارهم على أن المراد من العالمين جميع الخلق
وهو صلى الله عليه وسلم رحمة لكل منهم إلا أن الحظوظ متفاوتة
ويشترك الجميع فى أنه عليه الصلاة والسلام سبب لوجودهم.
وعليه فكرمه فى المولدين رحمته المطلقة للعالمين عاليهم وسافلهم
قاصيهم ودانيهم فهو بحق (كريم المولدين) انظر إذا شئت إلى اسمه
(أحمد) وإلى الميم فيها دليل كرمه لما كان فى السماء أحمد
الحامدين، وانظر إلى اسمه (محمد) وإلى الميم الجديدة فيها دليل
كرمه لما ولد على أرض مكة محمدا فى العالمين، يقول علماء الخط
العربى: إن الميم الأولى فى محمد تقع فوق السطر، والثانية تحت
السطر، وكأن نظره صلى الله عليه وسلم فى ميم أحمد كان متوجها
بالكرم إلى الوجود من تحته حيث كان قبل مولده فى الأرض، كما أن
نظره صلى الله عليه وسلم فى الميم الأولى من محمد متوجها بالكرم
إلى أهل الملأ الأعلى بعد مولده فى أرض مكة، وكأن الخط العربى ناطق
بحقوقه صلى الله عليه وسلم كما نطقت كل العقول والفهوم وعرفت
الأفئدة والبصائر، إنها إشارات الحبيب فى مولد الحبيب وإن إشارات
الحبيب بشائر.
إبراهيم الدسوقى بدور
شراب
الوصل
رويت عن المحبوب ماقد رأيته وسر أبى العينين متن روايتى
قال النبى صلى الله عليه وسلم
من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بى عن أبى
هريرة البخارى ومسلم وأبو داود عن أبى هريرة تصحيح السيوطي: صحيح،
ومن ذلك الحديث الشريف أن كلام
النبى صلى الله عليه وسلم مع من رآه هو حديث شريف وخاصة إذ كان ممن
شهد له بالعلم والتقوى وما أجدر الشيخ بهما ولكنه يريد أن يرجع
الفضل إلى أهله فقال أن متن الرواية وليس سندها كان فضل شيخه أبا
العينين رضى الله عنهما .
رويت : من الرواية ويقال راوى الحديث حافظه والراوى الساقى عن
المحبوب صلى الله عليه وسلم، ما قد رأيته: قد هنا تعنى التحقيق من
الأمر والتيقن منه رأيته من الرؤية وهى المشاهدة، وسر أبى العينين
متن روايتى، أبى العينين سيدى إبراهيم الدسوقى شيخ الطريقة، متن
روايتى متن كل شئ ما صلب ظهره والرواية كل ما يحفظ ويروى وهنا عن
مشاهدة وحضور لاعن نقل من سطور.
ألا فخذوا عنى الـآحاد معنعنا أصح روايات الحديث روايتى
وقد روى عن الشافعى أنه كان يصحح
الحديث على
النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه بن كثير قوله رضى الله عنهم
سألت النبى صلى الله عليه وسلم وقلت له من أكل مع مغفور له غفر له
فقال النبى صلى الله عليه وسلم ماقلته ولكنى الآن أقوله، ولذلك روى
هذا الحديث عن الشافعى عن النبى صلى الله عليه وسلم وهو حديث آحاد
لم يروه غير الشافعى وحديث آحاد الشيخ من أصح الروايات لأن فى علم
مصطلح الحديث أن الصحيح رتبة من الآحاد.
آلا فخذوا : من الأخذ وهو التناول عنى الآحاد أى منى حديث الآحاد
وهو الحديث المروى عن السامع للرواية بدون واسطة، الآحاد معنعنا :
حديث الواحد أى عنه رضى الله عنه،أصح روايات الحديث روايتى،أصح :
أى من الصحة وصححه تصحيحا فهو صحيح، روايات: جمع رواية وهى مايروى
من حديث.
محمد صفوت |