التوقير والإحترام ليس عبادة

كثر اللغط بين الناس عامتهم وخاصتهم فى توقير واحترام المشايخ وخاصة بين السادة الصوفية بل وادعى البعض أن الصوفية يقدسون مشايخهم والتقديس لا يكون إلا لله عز وجل، بل إنهم ذهبوا أن احترام المشايخ وتقبيل أياديهم نوع من الشرك، وما إلى ذلك من الترهات، ونحن هنا لا نرد بل نستنشق عبير التاريخ مع أحد مشايخ الأزهر الأجلاء وهو سيدى عبد الوهاب الشعرانى الذى طالما قبل يد شيخه وهو صانع سلال الخوص الزاهد سيدى على الخواص رضى الله عنهما إذ يقول:

روى الطبرانى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا: (البركة مع أكابركم) وروى الإمام أحمد والترمذى وابن حبان فى صحيحه مرفوعا: (ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير).

وفى رواية للإمام أحمد والطبرانى والحاكم مرفوعا: (ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) وفى رواية: (ويعرف شرف كبيرنا) وروى الطبرانى مرفوعا: (تواضعوا لمن تتعلمون منه) وروى الطبرانى أيضا مرفوعا: (ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة فى الإسلام، وذو العلم والإمام المقسط) وروى الإمام أحمد والطبرانى بإسناد حسن عن عبد الله بن بشر قال: سمعت حديثا منذ زمان: (إذا كنت فى قوم عشرون رجلا أو أقل أو أكثر فتصفحت وجوههم فلم تر فيهم رجلا يهاب فى الله عز وجل فاعلم أن الأمر قد رق).

وروى الطبرانى مرفوعا: (لا أخاف على أمتى إلا ثلاث خصال فذكر منها وأن يروا ذا علم فيضيعونه ولا يسألون عليه).

ولهذا فقد أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكرم العلماء ونجلهم ونوقرهم ولا نرى لنا قدرة على مكافأتهم ولو أعطيناهم جميع ما نملك، أو خدمناهم العمر كله، وهذا العهد قد أخل به غالب طلبة العلم والمريدين فى طريق الصوفية الآن حتى لا نكاد نرى أحدا منهم يقوم بواجب حق معلمه، وهذا داء عظيم فى الدين مؤذن باستهانة العلم وبأمر من أمرنا بإجلال العلماء صلى الله عليه وسلم، فصار أحدهم يفخر على شيخه حتى صار شيخه يداهنه ويمالقه حتى يسكت عنه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

وقد بلغنا عن الإمام النووى أنه دعاه يوما شيخه الكمال الإربلى ليأكل معه، فقال يا سيدى اعفنى من ذلك، فإن لى عذرا شرعيا فتركه، فسأله بعض إخوانه ما ذلك العذر؟ فقال أخاف أن تسبق عين شيخى إلى لقمة فآكلها وأنا لا أشعر، وكان رضى الله عنه إذا خرج للدرس ليقرأ على شيخه يتصدق عنه فى الطريق بما تيسر ويقول اللهم استر عنى عيب معلمى حتى لا تقع عينى له على نقيصة ولا يبلغنى عنه عن أحد رضى الله عنه، ثم أن من أقل آفات سوء أدبك يا أخى مع الشيخ أنك تحرم فوائده، فإما بكتمها عنك بغضا فيك وإما أن لسانه ينعقد عن إيضاح المعانى لك، فلا تتحصل من كلامه على شئ تعتمد عليه عقوبة لك، فإذا جاءه شخص من المتأدبين معه انطلق لسانه له لموضع صدقه وأدبه معه، فعلم أنه ينبغى للطالب أن يخاطب شيخه بالإجلال والإطراق وغض البصر كما يخاطب الملوك ولا يجادله قط بعلم استفاده منه فى وقت آخر على سبيل التعرف، فيقول يا سيدى سمعناكم تقررون لنا أمس خلاف هذا فماذا تعتمدون عليه من التقريرين الآن حتى نحفظه عنكم؟ ونحو ذلك من الألفاظ التى فيها رائحة الأدب، وكذلك لا ينبغى له أن يسعى على وظيفته أو خلوته أو بيته بعد موته فضلا عن حياته إلا لضرورة شرعية ترجح على الأدب مع الشيخ، وكذلك لا ينبغى أن يسعى على أحد من أصحاب شيخه أو جيرانه فضلا عن أولاده، فإن الواجب على كل طالب أن يحفظ نفسه عن كل ما يغير خاطر شيخه فى غيبته وحضوره.

هذا ما قاله بل وكتبه شيخ الأزهر الذى شهد له كل علماء عصره له بالعلم والولاية والذى كان فى شبابه من أوائل المعترضين على الصوفية واتهمهم بالجهل حتى فتح الله بصيرته على الحق واهتدى إلى طريق الصواب وعاش بقية عمره مريدا لشيخه الخواص ناصحا للناس باتخاذ طريق الصوفية.

محمد صفوت جعفر