الشيخ المكاشفي رضي الله عنه
هو الشيخ عبد الباقي الحاج عمر أحمد محمد الهارب،مؤسس الطريقة
المكاشفية و مرسي قواعدها وواضع أذكارها و مبين آدابها و تعاليمها
، الأستاذ الأعظم، والملاذ الأشهر ، صاحب الولاية الكبرى ،
والخلافة العظمى ، والسيادة المطلقة ، عبد الباقي( أسمه) والحاج
عمر (والده) وأحمد المكاشفي ( جده الأول) كان من أقطاب الصوفية
وله أخبار شهيرة ومناقب كثيرة وقصصه معروفة بين المريدين، و
محمد الهارب (جده الثاني) وكان قاضيا جاء من مكة لأسباب سياسية.
كني بأسماء كثيرة فهو أبو عمر ، وأبو الجيلي ،وأبو عبد الله ، وأبو
الطيب و أبو المهدي ، وأبو موسي ،و أبو
محمد ، وأبو الفاتح ، وأبو التقي . ولقب بالنادر ، و بالرشيد ، و
بأبي الكل، و بأبي الهمال ، و بمهال ، و بالكشيف ، و بالحفيان ،
وبكحل الجلاء وكما أنه معلوم فإن كثرة الأسماء من عظمة المسمى
واشتهر الشيخ بالمكاشفي، والمكاشفي من الكشف المعروف عند الصالحين
، ودليله قوة الفراسة وقد لقب به جده الشيخ أحمد وانطبق عليه
انطباقا كاملاً و به كانت شهرته وشهرة أبنائه وأتباعه من بعده.
وهو حسيني النسب ، مالكي المذهب، أشعري العقيدة ، جيلاني الطريقة،
محمدى الأخلاق، حفظ القرآن و تعلم علم الأصول والفروع و درس رسالة
العلامة ابن أبي زيد القيرواني و المسالك للعلامة القطب الدرديري
ومختصر العلامة الشيخ خليل ابن إسحاق المالكي و مؤطا الإمام مالك
رضي الله عنه وفتح الله عليه بغير ذلك من العلوم و المعارف مما
يعجز عن وصفه البيان ، لازم الخشوع والخضوع والخوف والتذلل لله
تعالى و عرف بالزهد الورع والتواضع والعفة والحياء والمروءة
والسماحة والجود والشجاعة وكظم الغيظ ومداراة الخلائق ومكافأة
السيئة بالحسنة والعفو عن المسيء وشكر المحسن.
وهو شيخ عارف بالله
أراد
الله به خير العباد ، اهتدى على يديه خلق كثير ، و ظهر بالإرشاد
كالشمس في كبد السماء و ترامى عليه الخلائق من سائر الأنحاء و قصده
المرضى و أصحاب البلايا إذ أن سائر الأمراض تشفى بدعوته رضي الله
عنه. ألف رضي الله عنه في التوحيد والفقه والتصوف نظماً ونثراً و
قال مدائح و قصائد اشرحت الصدور واستنارت بها العقول نبعت من قلب
صادق بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم
.و نحن عندما نتحدث عن الشيخ عبد الباقي المكاشفي إنما نشير إليه
إشارة ظاهرية إذ أنه سر من أسرار الله تعالى.
نسبه رضي الله عنه من جهة أبيه
هو العارف بالله تعالى الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ الحاج عمر بن
الشيخ أحمد المكاشفي ابن السيد محمد الهارب بن الشيخ علي المادح بن
زيادة بن حسان الإدريسي التلمساني بن السيد آدم بن السيد أحمد بن
السيد علي بن السيد محمد بن أحمد الدسوقي بن السيد موسي الطاهر بن
عبد العزيز النادر بن السيد عبد الرازق الخليفة بن السيد عيسي
الصوام بن السيد آدم بن عبد الحفيظ الطيار بن هارون الصادق بن سعد
الخفي بن عامر الخطاف بن السيد أحمد بن السيد داود بن السيد حسن
الدوري بن السيد موسى الطامع بن السيد الحسين بن أكمل بن أحمد بن
السيد محمد نور بن السيد عبد الرازق بن الفضل بن السيد عبد القادر
بن السيد عبد العزيز بن السيد عطاء الكريم بن السيد محمد الجواد بن
السيد علي الرضا بن السيد موسى الكاظم بن السيد جعفر الصادق بن
السيد محمد الباقر بن السيد علي الأصغر زين العابدين بن الإمام
الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ابن عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
(وهو النسب الموجود بداخل ضريح الشيخ عبد الباقي المكاشقي)
أما نسبه من جهة أمه:
هو العارف بالله تعالى الشيخ عبد الباقي ابن السيدة فاطمة بنت
أحمد أبو القاسم بن الضو بن البكري بن علي بن عبد الرحمن بن السيد
طه بن الشيخ علي النيل بن الشيخ الهميم بن الشيخ الصادق بن السيد
عبد الرحمن بن حسن معشر بن عبد النبي بن ركاب بن السيد غلام الله
بن عائد بن أحمد المقبول بن السيد محمد الزيلعي بن السيد عمر بن
السيد محمود بن المختار بن هاشم بن السيد سراج بن محمد بن السيد
علي بن أبو القاسم بن السيد موسى بن السيد إسماعيل بن السيد موسى
الكاظم بن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد علي
الأصغر زين العابدين بن الإمام الحسينى بن السيدة فاطمة الزهراء
بنت النبي صلى الله عليه وسلم.(وهو النسب الموجود بداخل ضريح الشيخ
عبد الباقي المكاشقي)
مولده ونشأته:
ولد الأستاذ المرشد الشيخ عبد الباقي المكاشفي رضي الله عنه في
السودان بقرية ودشنبلي جوار قرية الشيخ التوم ودبانقا بريفي سنار
في اليوم الرابع من شهر رجب سنه 1284 هـ الموافق 1865م فرحب به
والده الحاج عمر وفرح به فرحاً كبيراً و أذنّ في أذنيه وسلم عليه
مقبلاً يده وروي أنه قال أمام ملأ من الناس " مرحباً بسيد أبيه"
ويروى أيضا أن والدته السيدة فاطمة بنت أبي القاسم روت أن زوجها
الحاج عمر كان يتواضع لهذا المولود منذ أن حملت به وكان يثني عليه
كثيرا و يقول " هنيئا لمن يحضر زمانه" و كان أيضا يدخل تلك الغرفة
التي وضع بها أبنه حافياً حاسر الرأس. وروى أيضا أن حبر الأمة
الشيخ التوم ود بانقا، كان دائم الإكرام له والإشادة به منذ أن كان
صغيرا وقد كان يقول (لا أنا ولا أبوه وهنيئاً لمن يحضر زمانه) وكان
قد بشر به قبل ولادته ونذكر في ذلك ما قاله ود الزين في كتابه
نوادر النادر( حدثني الشيخ محمد الهارب أن رجلاً قدم نفسه لزواج
السيدة فاطمة بنت السيد أحمد ابن أبي القاسم والدة الأستاذ فرده
سيدي الشيخ محمد توم ود بانقا عنها قائلاً له بما في معناه أنها
ليست زوجتك وأنها سوف تتزوج بالحاج عمر وينجب منها ابناً صالحاً
وفعلاً تزوج بها الحاج عمر وأنجب منها هذا الأستاذ رضي الله عنه).
وقال: ( حدثني الجزولي تلميذ الشيخ حمدان ود أبو الحسني قال لي كان
سيدي الشيخ محمد توم ود بانقا يبشر الناس بأربعة أولاد يأتون من
بعده يكون لهم شأن ، منهم من ينجبه أخينا الحاج عمر ومنهم من ينجبه
الشيخ طلحه الفلاتي ومنهم من ينجبه الشيخ عبد القادر وبالفعل ظهر
هؤلاء الرجال الأربع أما الحاج عمر فقد خرج من نسله هذا الأستاذ
رضي الله عنه والشيخ طلحه خرج من نسله الشيخ محمد توم و كان من
أكابر الصالحين والشيخ عبد القادر خرج من نسله الشيخ حمدان والرابع
المشار إليه الشيخ هجو ابن الماصع فهؤلاء هم الأربعة الذين كان
يبشر بهم الشيخ التوم ودبانقا) وكان ممن بشر به الشيخ الكباشي وذكر
ذلك ود الزين في كتابه نوادر النادر حيث قال: (حدثني الشيخ محمد
الهارب أن والد الأستاذ الحاج عمر عندما ذهب إلى الحج نزل عند سيدي
الشيخ إبراهيم الكباشى بحلة الفرع فبالغ في إكرامه وقال له أنا لم
أكرمك لأجل أنك أرفع منى درجه ولا أكبر مني ولاية ولكن إكرامي لك
لأجل ابن يخرج منك ويعني الأستاذ رضي الله عنه وهذه من مكاشفات
الكباشي وإعلامه للحاج عمر بأن في صلبه هذا الأستاذ العظيم ).أما
عن نشأته فقد قام بكفالته ورعايته أخوه الأكبر الشيخ أحمد الحاج
عمر بعد وفاة والده ، و نشأ رضي الله عنه ببلدة المكاشفي في بيت
علم و صلاح ، يجذبه سر الولاية ، ويؤنسه نور الهداية، ويحفه جيش
العناية ، وعليه شيم النجاح وعلامات الخير والصلاح، ويزينه
الإشراق، وفيه يرى الرشد والفلاح ، وعليه عبقرية الأذكياء ،ونباهة
الأصفياء ، وخصال الأولياء رضي الله عنهم.وأظهر رضي الله عنه ميلاً
كبيراً للتعليم و التعلم منذ نعومة أظفاره فحفظ القرآن حفظاً
تاماً مع كامل التجويد و درس العلوم الشرعية على يد كثير من
العلماء ولازم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلاحت على
بصيرته أنوار الفتوحات و أدرك الحقائق و تباعد عن هوى الأنفس و عن
المقاصد الدنيوية واكتفى بالعفاف و من العيش بالكفاف وانخرط في
سلك الناسكين الزهاد وانتظم في عقد العارفين العباد وسلك مسالك
الصوفية أهل الهمم العليا والمقاصد الربانية .
تعليمه:
تعلم رضي الله عنه القرآن الكريم على يد جماعة من الحفظة منهم
أخيه الشيخ أحمد بن الحاج عمر بقرية ود شنبلي و الفكي محمد على ود
أبو النعمة ، و الفكى يوسف ود عبيد و كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب
مع كمال التجويد ، ودرس التوحيد والفقه و الحديث والسيرة على يد
جماعة من العلماء منهم الفكى قسم الله، والفكى عمر ، والفكى
إبراهيم بقادى والشيخ محمد البدوى شيخ الإسلام بالسودان سابقاً
وكان معظم تعليمه على يد هؤلاء الأعلام بأرض الجزيرة ، وكان يحفظ
متن الرسالة لسيدي ابن أبي زيد القيروانى عن ظهر قلب، و مختصر سيدي
خليل بن إسحاق المالكي، و يحفظ مؤطا سيدي الإمام مالك بن أنس . ثم
اجتهد عملا في ما علم ففتح الله عليه في العلوم الوهبية والمعارف
اللدنية و الطب و التاريخ والجغرافيا و اللغات وغير ذلك مما يعجز
عنه البيان ، وكان يقول عندما يسأل عن هذه العلوم و عن كيف اكتسبها
"اتقوا الله ويعلمكم الله "
أخذه لطريق القوم:
كان الشيخ المكاشفي رضي الله عنه متعبداً بتلاوة القرآن العظيم،
ملازماً التهليل والصلاة على النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ,
متفكراً في ملكوت الله ، منخرطاً في سلك الناسكين ، ومنتظماً في
عقد العارفين ، وقد نشأ ظاهر بالكمال بدليل شهادة العارفين به
أمثال الشيخ محمد توم ود بانقا و الشيخ إبراهيم الكباشي رضي الله
عنهما. أخذ رضي الله عنه طريق القوم على الشيخ عبد الباقي الأبيض
المعروف بابي الشول حفيد الشيخ عبد الباقي النيل سنة 1311هـ و
كان له من العمر آنذاك سبع وعشرون عاما و سلك مسالك الصوفية أهل
الأحوال الشريفة والأخلاق اللطيفة , أهل الإخلاص الموصوفين
بالإحسان ولم يزل يسلك طريق الرشاد و يتصف بأوصاف التمام ، حتى
ثبتت قدمه على طريق العارفين ، ونال أعلى منازل الواصلين فهو رضي
الله عنه سيد السالكين ، وإمام الواصلين.
أما عن سنده في الطريق فهو عن الشيخ عبد الباقي المعروف بأبي
الشول حفيد الشيخ عبد الباقي النيل عن الشيخ عبد الخدام عن الشيخ
عبد الباقي المحب عن الإمام مالك عن الشيخ عبد الباقي النيل عن
الشيخ عبد الله ود العجوز عن الشيخ محمد المسلمي عن الشيخ دفع الله
المصوبن عن أبي إدريس عن الشيخ عبد الله العركي عن الشيخ حبيب الله
العجمي عن الشيخ تاج الدين البهاري عن محمد عن أحمد عن أكمل عن
أصغر عن أكبر عن كمال الدين عن علاء الدين عن محمد عن أحمد عن عبد
الرازق الخليفة عن الشيخ عبد القادر الجيلاني عن المخزوم عن
الهكاري عن يوسف الطرطوس عن أبابكر عن سليمان عن عبد العزيز عن عبد
الواحد التميمي عن سيد الطائفة أبي القاسم الجنيد عن السري السقطي
عن الشيخ معروف الكرخي عن علي الرضا عن موسى الكاظم عن جعفر الصادق
عن محمد الباقر عن زين العابدين عن الحسين عن الإمام علي كرم الله
وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح الأمين جبريل عليه
السلام عن الحق عز وجل.
أخلاقه:
كان الأستاذ رضي الله عنه متخلقاً بالأخلاق المحمدية ، متمسكا
بالسنة ، تسرك نظرته ، وتذكرك بالله رؤيته ، ويدلك على الله كلامه
، وترغبك في الآخرة أفعاله ، وتزهدك في الدنيا خصاله ، لا يرى
لنفسه فضل على أحد، ولا يمن على من أرشد , لين العريكة ، حسن
المجالسة , جميل الملاطفة ، كتاب المكارم المحمودة ، جامع الفضائل
المنشودة، إذا حدث صدق ، وإذا عاهد أوفى ، إذا وزنت قوله بفعله
وجدت فعله أرجح و إذا وزنت ظاهره بباطنه وجدت باطنه أصلح، وكان
رضي عنه لا يقابل أحد بما يكره ، متواضع للناس ولله من قبل يكرم
الضعفاء والمساكين واليتامى و يكرم أهل الفضل والأقارب ويصل
الجيران وذوي العاهات والبلايا وينفق عليهم بما عنده بالكثير
والقليل ، و قد قال الشيخ الجبلي متحدثا عن أبيه الشيخ المكاشفي:
(كان والدي متواضعا التواضع كله طاهر السريرة الطهر كله لين
العريكة تألفه النافرات تعلمنا منه الصبر على المكاره وحسن
المعاملة ،كان يأكل مع المريض ولو كان مجذوما وقد فسر والدي معنى
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "فر من المجذوم كما تفر من الأسد "
أي فر منه خوفا من الإشراك لأنه سيرى نعمة الله عليك فيحسدك ، وقال
كان يجيب دعوة الداعي مهما كان مقامه) وكان رضي الله عنه لا يرد
سائلاّ أبدا و إذا لم يجد شيء يعطيه للطالب يكتب له سند بضمان
العطاء إلى أجل . ومن أخلاقه تحمله لأهل الحدة والحماقة ونذكر
كلام الشيخ أحمد ود الحاج حيث قال مررت بتسعة وتسعين مسجداً لم
يتحملني إلا هذا الأستاذ رضي الله عنه وكان ود الحاج يبحث عن الشيخ
المرشد الكامل ويختبره في أخلاقه ومعاملاته ويلتمس من ذلك كماله .
كان رضي الله عنه زاهداً طول حياته منذ نشأته حتى وفاته لم يمتلك
من حطام الدنيا ما تراه العين أو تسمع به الآذان ، ولم يدخر شيئا
من المساء إلى الصباح ولم يكن له جيب في جلبابه ، و غالب لباسه جبة
واحدة من الدمور و سروال و ملفحة يطرحها على منكبيه، و زهده مشهود
ومعلوم لكل من خالطه أو عاشره بل لا يخفى على من جالسه أو تردد
عليه في زيارته أو عرفه أو سمع عنه. قال فيه مادح رسول الله أب
شريعة :له قدراً على الأقران يسمو منيباً زاهداً في كل فان
وقد كان رضي الله عنه إمام زهد حاله الزهد وفعله الزهد و مقاله
الزهد و هو القائل:
والله والله لا يجتمع حــب الإله وحب الدراهم في قلب ذو
اسرار
إن الدراهم مكتوب عليـــــها من أحب الدراهم أبغضه الباريء
و لما كان الشيخ رضي اله عنه من أزهد الناس في الدنيا كان من
أكرمهم بها فقد كان يكرم البعيد و القريب ، المقيم والمار ،
الكبير والصغير ، العام و الخاص، وفي ذلك قال حفيده الشيخ عمر بن
الشيخ الجيلي ( كان أبونا لا يفرق في عطاءه و كرمه بين أولاده و
عامة الناس و كان دائما ما يقول العبيد عبادك والمراد مرادك " و
قد كان رضي الله عنه نادراً فهو بحر من الجود و الكرم يعطى ما في
يده، ويرجو ما عند ربه).و قال فيه الشيخ يوسف حفيد الشيخ عوض
الجيد :
نيطت مكارم أخلاق الكـرام بــه فريد عصر الورى في الدهـر
والدول
وعن فضائله التي ساق بها الخلق لمعرفة الخالق والتي جعلها الله
باقية بعد وفاته حتى اليوم بفضل صدقه مع الله وبفضل أبناءه
الأبرار الأتقياء نفعنا الله بهم و بأبنائهم السالكين دربهم نذكر
على سبيل المثال تعليم القرآن الكريم و العلوم الشرعية لأبناء
المسلمين و إقامة حلقات الذكر وعلاج الناس من الأمراض بالطب النبوي
و الإصلاح بين الناس بما أمر الله و الإحسان إليهم وإشعاله نار
النفقة لإطعام الطلاب والمريدين و المساكين وعامة الناس وفي ذلك
الشيخ يوسف حفيد الشيخ عوض الجيد
حائز الفضائل في خَلق وفي خُلق أنشا المهمين كل النــاس
في رجل
مؤلفاته:
كان الشيخ يمتاز بفصاحة اللسان و بلاغة القول ونصاعة اللفظ و صحة
المعاني و قلة التكلف لذلك جاءت مؤلفاته واضحة جلية أنارت القلوب
و العقول و بينت سبل الوصال و انتفع بها أناس كثيرون ، منها ما
ألفه الشيخ نثرا و نظما في العقيدة والفقه و التصوف و منها ما
قاله في مدح الحبيب صلى الله عليه وسلم.
في العقيدة و التوحيد ألف الشيخ رضي الله عنه منظومة تعالي الرب
التي جاءت ترد على المبتدعة و الضالة ، و أرجوزة التوحيد في معنى
عقائد التوحيد وهما خلاصة ما يحتاج إليه الفرد لمعرفة عقيدة
التوحيد و قد بين الشيخ فيهما التوحيد الحق الخالص من الشك و
الريب و الإعتقاد السليم الذي لا يشوبه الشرك و النقائص الذي يهدي
ويقود صاحبه إلى الصراط المستقيم. (المنظومة تم شرحها في كتاب
النمارق المصفوفة و الأرجوزة تم شرحها في كتاب التبيين المفيد )
ولعلمه رضي الله عنه أن الناطق (بلا اله إلا الله محمد رسول الله)
بعد إدراكه معنى عقائد التوحيد يحتاج إلى معرفة ما تصح به عبادته
وفق الشريعة و السنة المحمدية ألف الشيخ في الفقه على مذهب الإمام
مالك رضي الله عنه منظومة الجنائن المغروسة علي حياض السنة
المحروسة والتي تحتوي على خلاصة ما يحتاجه المسلم من معرفة الفرائض
العينية التي تمكنه من أداء العبادة على شكلها الصحيح التام وهي
بحمد الله وفضله جامعة لأحكام الفرائض العينية.
(تم شرح هذه الأرجوزة في كتاب النمارق المصفوفة )
وفي التصوف ألف الشيخ النصائح التسع في السلوك و الإرشاد والتي
جاءت تدل على صدق المنهج الصوفي الذي غايته الوصول إلى معرفة الله
، وعين حقيقته إدراك رضاء الله تعالى ، وهي نصائح خرجت من روح
طاهرة وقلب صادق خالص لله تعالى تدعو إلى تهذيب السلوك وتزكية
النفوس وتدل على سبيل الرشاد وهي بحمد الله كفيلة بان تلحق الآخذ
بها إلى ركب السادة الأصفياء الأتقياء الصالحين أهل الذوق الرفيع
والمقام العالي والأدب و الخلق التام.وقد جمع الشيخ رضي الله عنه
خصائص وخصال الحبيب صلى الله عليه وسلم و قدمها للناس تحت اسم
خصائص المصطفي صلى
الله عليه و سلم
تعريفا للقوم بقدر الحبيب
صلى الله عليه وسلم وتنويرا لعقولهم وبصائرهم. ولعلمه رضي الله
عنه أن الذكر هو أقصر الطرق الموصلة لنيل رضاء الله و هو نور
المسلم وبصيرته وذهاب همه وجلاء غمه وحزنه قدم الشيخ راتب في أذكار
القراء ن و السنة وحث على العمل به و بين فضله وقال فيه رضي الله
عنه أن من قرأه فكأنما عمل عدد السبعين ثلاث مرات و لم تكتب عليه
خطيئة اسبوع وأغناه عن جميع الأوراد. وكذلك قدم الشيخ راتب في
التوسلات إلى الله جل وعلا بعظمته و عظمة ملائكته و أنبياءه
وأولياءه تعالى و قد جاءت بفضل الله صادقة من خبير عارف بالله
وبسبل الوصال.
وكما قدم الراتب الكبير في التوسلات الذي جمع فيه عدد كبير من
الصالحين عليهم رضوان الله أجمعين وهذا الراتب معروف عند أهل القوم
بالسلسلة الذهبية ومطلعها
الله يا الله يا الله يا الله يا نافي للشريك والأشباه
ومن مؤلفاته رضي الله عنه مدائحه في الحبيب المصطفى صلى الله عليه
وسلم التي جاءت تحكي عظمة الحبيب تلك المدائح التي زرعت حب الرسول
صلى الله عليه و سلم في قلوب الناس و سمت بأرواحهم إلى عوالم الأنس
، وقد شمل ديوانه سعادة الدارين في مدح سيد الثقلين بعض منها ومن
قصائده في مدح أولياء الله الصالحين مبينة حقهم ونهجهم و طريقهم
القويم.
ترحاله و استقراره :
كانت بدايته رضي الله عنه في بلدة المكاشفي بغرب السودان التي تعرف
الآن بالمكاشقي القديم حيث لاحت أنواره و ذاع صيته و ظهرت شمس
ولايته وفيها حفر البئر والحفير من أجل الماء و أسس المسجد وبنى
الخلاوي وأوقد نار القرآن الكريم ونار النفقة وكان هذا هو النهج
الذي اتبعه في تنقلاته من المكاشفي إلى ود أبو أمنه و منها إلى
البراقنة ثم استقر في بلدة الشكينيبة حيث طاب له المقام وارتاحت
نفسه وسكن إليها فحفر البئر وبنى المنازل، وقصده الناس من كل
الأماكن فمنهم من سكن واستقر إلى جانبه و منهم من جاء للعلم
ومنهم من جاء زائرا ومنهم من جاء ملازما له ، وفي هذه البقعة
المباركة بنى مسجده الكبير وبنى حوله الخلاوي و أشعل نار القرآن
و أوقد نار النفقة وشيد دور العلم وحفر الحفير وصارت الشكينية
مركز القاصدين ومورد الطالبين يجتمع فيها أناس كثيرون من أجناس
مختلفة ينهلون من ذلك الفيض المكاشفي وقد أقام الشيخ بهذه الأرض
الطيبة إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.
من المعلوم أنه لم يكن كثير السفر و نذكر أنه سافر للخرطوم زمن
إقامته ببلدة البراقنه حيث التقى بالحاكم الإنجليزي العام وأقام
فترة أربعة أشهر تقريبا وكان أقامته عند بعض الأسر المشهورة بالعلم
كآل الشيخ أبو القاسم وآل الشيخ صغيرون
وآل الشيخ عتباني و زار خلالها مسيد الشيخ العبيد ود بدر بأم
ضوابان و مسيد الشيخ إدريس ود الأرباب بالعيلفون ومسيد الشيخ
الكباشي حيث قال قصيدته في الشيخ الكباشي التي مستهلها
حمداً لباري الخلق والنسمائــي
شكرا له على تـواـتر الآلاء
فصلاة ربي و السلام على الذي أسرى به ليلاً وشاف ذات علاء
وعلى صحابتـه الكـرام وآلـه و الأولياء السـادة الـعـلمـاء
وعلى زعيمهم الكباشي طبيبـنا ذي الحل والعقد مزيل بـلائـي
ذو الآية الكبـرى والـنعـمـة أنعم به قطبا تولـى هـدائـي
وزار الشيخ أيضا مسيد الشيخ قريب الله ود أبو صالح بام درمان وبعض
المساجد و البيوتات الدينية الكبيرة كبيت آل الإمام محمد أحمد
المهدي " رضي الله عنه" وإلتقى بالسيد عبد الرحمن المهدي الذي بالغ
في إكرامه كما زار أيضا بيت السادة الختمية " رضوان الله عليهم
أجمعين " .وقد ظهرت في زيارته كرامات عديدة .ونذكر أنه توجه إلى
منطقة غرب النيل الأبيض قاصدا أخيه الشيخ عبد الله أبو شلخ ابن
الحاج عمر بمنطقة ( الشقيق ) معزيا له في وفاة والدته وفي تلك
الرحلة زار الشيخ عمر محمد الصافي بمنطقة ( الكريدة) ثم زار الشيخ
محمد الخنجر وزار الشيخ إسماعيل الفكي عربي ( بالطلحة) .
البيت المكاشفي:
تزوج الشيخ المكاشفي رضي الله عنه من السيدة قند اليمن بنت الشيخ
إبراهيم الحافظ الشيخ أحمد المكاشفي وأنجب منها الشيخ عمر والسيدة
أمنه " أم النيل" ، وتزوج من السيدة التومة علي العجال و أنجب منها
الشيخ عبد الله والسيدة دار السلام والسيدة دار النعيم والسيدة
أسماء والسيدة رابعة والسيدة رقية، وتزوج من السيدة المسك أحمد
حماد وقد أنجب منها الشيخ الطيب والشيخ محمد والسيدة زينب، وتزوج
من السيدة زينب عجب الأهل وهي أخت السيدة المسك من جهة أمها وقد
أنجب منها أبنائه الشيخ الجيلي والشيخ موسى ، وتزوج من السيدة
نفيسة أحمد الفكي و لم يرزق منها بأبناء ، وتزوج من السيدة دار
السلام المقدم محمد احمد وأنجب منها الشيخ المهدي والشيخ الفاتح
والشيخ التقي الأكبر والشيخ التقي الأصغر ( بحر أبيض) والسيدة
عائشة والسيدة آمنه الثانية "رضي الله عنهم أجمعين" .
إنتقاله إلى الرفيق الأعلى
بعد عمر طويل قضاه الشيخ خادما لله ورسوله صلى الله عليه و سلم بدأ
الشيخ الجليل يعاني من الآم الحمى و مرض الأسنان "الدبس " فعزم
الناس أن يذهبوا به إلى الطيب فرفض ذلك بشدة، فقالوا " إذن نأتي
أليك به، فقال " وماذا أقول له" قالوا " تشكي إليه ألآمك" فرد
عليهم الشيخ الجليل بإيمان و يقين تام و رضاً بقضاء الله قائلا "
كيف بالله أشكو الخالق للمخلوق ". و حضر الطبيب وكان اسمه مستر
بولسن من مدينة مدني وعاين الشيخ قبل انتقاله بقليل، وكانت مدة مرض
الشيخ أربعين يوما وربطناها بما هو أدناه و الله ورسوله أعلم: فقد
شطر الشيخ للزمخشري هذا الدعاء
يا عالم الأرواح من أشباحها حركاتها سكناتها بغدوها و مقيلها
ورواحها يا من يرى مد البعوضة جناحها في ظلمة الليل البهيم الاليل
يا رازق الحيتان لج بحرها و الطير و الوحش مهامة صحرها والنملة
السوداء حندس جحرها ويرى مناط عروقها في نحرها والمخ من تلك
العظام النحل هل نفحة سحرية نحظى بها تمحو ران القلب جمع عيوبها
امنن على الهي بتوبة تمحو لنا بها ما كان في الزمان الأول
انتقل الشيخ رضي الله عنه إلى جوار ربه في يوم السبت بعدصلاة
العشاء ليلة العاشر من ذي الحجه في سنة 1379هـ الموافق اليوم
الثالث من شهر يونيو سنة ألف وتسعمائة وستون 3/6/1960م ببلدة
الشكينيبة و له من العمر ما يقارب ستة وتسعون عاما قضاها في طاعة
الله ورسوله.
قبر رضي الله عنه في ذات الليلة بجوار الجامع في الموضع الذي كان
كثيراً من الفقراء إلى الله (المريدين) يرون عليه بريق الأنوار،
ويتحدثون عنه بغرائب الأسرار و في هذا الموضع الشريف الذي حوى جسده
الطاهر بنيت قبة شامخة ، جزاه الله عنا خير الجزاء و نفعنا بجاهه
العظيم.
وقد كان رحيله مصاب جلل فقد كان سنا الإسلام و الأيمان ، الرجل
الأمة ، الأب المرشد ، والمربي الحنون، صاحب الفضائل السمحة ،
والخصال الحميدة ، كان مستجاب الدعاء مقبول عند الله ، إذا قصدته
مكروب نفس الله عنك كربتك، وإذا قصدته مظلوم نصرك الله، وإذا قصدته
سقيم شفاك الله، وإذا قصدته في حاجة قضاها الله. |