|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
20 |
وكان رضي
الله عنه يقول:
رأس مال
المريد
المحبة
والتسليم
وإلقاء عصا المعاندة
والمخالفة
والسكون تحت
مراد شيخه وأمره.
فإذا كان المريد كل يوم في زيادة محبة وتسليم سلم من القطع فإن عوارض الطريق وعقبات
الالتفاتات والإرادات هي التي تقطع عن الإمداد، وتحجب عن الوصول.
وكان رضي
الله عنه يقول:
يا أولادي إذا
لم يحسن أحدكم
أن يعامل
مولاه فلا يقع
في أحوال لا
يدريها. فإن القوم تارة يتكلمون بلسان
التمزيق، وتارة بلسان التحقيق، بحسب الحضرات التي يدخلونها، وأنت يا ولدي لم تذق
حالهم ولا تمزقت ولا دخلت حضراتهم فمن أين لك أنهم على الضلال أفتعوم يا ولدي البحر
ولست بعوام؟ ثم إذا غرقت فقد مت ميتة جاهلية لأنك ألقيت نفسك للمهلك، والحق قد حرم
عليك ذلك، بل الواجب عليك يا ولدي أن تطلب دعاء القوم وتلتمس بركاتهم، هذا إذا لم
تجد قدرة على عملهم، فإن وجدت قدرة على ذلك سعدت أبد الآبدين، واعلم يا ولدي أن
ألسن القوم إذا دخلوا الحضرات مختلفة وفي إشاراتهم وكلماتهم ما يفهم ومنها ما لا
يفهم وكذلك من أحوالهم ما يعبر عنه ومنها ما لا يعبر، وكذلك في أسرارهم ما لا يصل
إليه مؤول ولا معبر، ولا مطلع ولا مفسر، لأن أسرارهم موضع سر الله تعالى، وقد عجز
القوم عن معرفة أسرار الله تعالى في أنفسهم، فكيف في غيرهم فيجب عليك يا ولدي
التسليم لله في أمر القوم، وحسن الظن بهم لا غير، فإني ناصح لك يا ولدي.
وإذا رميت من يحبه الله تعالى بالبهتان والزور وتجرأت على من قربه الله
تعالى أبغضك الله تعالى ومقتك فلا تفلح بعد ذلك أبدا ولو كنت على عبادة الثقلين.
وكان رضي
الله عنه يقول:
من قام في
الأسحار ولزم
فيها�
الاستغفار كشف الله له عن الأنوار، وأسقي من دنِّ الدنو من خمار الخمار،
وأطلعت في قلبه شموس المعاني والأقمار، فيا ولد قلبي اعمل بما قلته لك تكن من
المفلحين، وكان يقول كم من يتلو الاسم الأعظم ولا يدريه وما فهم معناه وما لمس
الأولياء الشجرة فأثمرت إلا به، ولا سال الماء من صخرة إلا به، ولا سخرت الوحوش
لولي إلا به، ولا سأل ولي القطر فنزل إلا به ولا أحيا الموتى إلا به.
وكان رضي
الله عنه يقول:
لا يكون الرجل
غواصا في
الطريق حتى
يفر من قلبه
وسره وعمله
وهمه وفكره
وكل ما يخطر
بباله غير ربه.
فآه آه لو كشف الحجاب عن الأثواب، وأبصر الأعمى الحرف الذي ليس بحرف ولا ظرف، وفك
ما خفي من الغمض، وفتح قفل القفل، وفك أزرار المزرور، فوا شوقاه لصاحب تلك الحضرات،
مع أن الشوق لا يكون إلا للبعيد.
وكان رضي
الله عنه يقول:
كل من تحجبه
أعماله
وأقواله عن
درك ما شاء
فهو محجوب عن
مقام التوحيد
ومقام
التفريد، ولا
يزف الولي إلى
ربه حتى يترك
الوقوف مع
سواه من مقام
أو درجة. وكان يقول: إن أردت أن تجتمع على ربك
فطهر باطنك وضميرك من الخبث والنية الردية والإضمار بالسوء لأحد من خلق الله عز
وجل.
وكان رضي الله عنه يقول: إياك يا ولدي أن تقبل فتوى ابليس لك في الرخص
فتعمل بها بعد عملك بالعزائم فإنه إنما يأمرك بالغي والبغي في حجة رخصة الشرع لا
سيما إن أوقعك في محظور، ثم قال لك هذا مقدور ايش كنت أنت فإنك تهلك بالكلية.
واعلم يا
ولدي أن الله
تعالى ما أمرك
إلا باتباع
نبيه صلى الله
عليه وسلم،
وقد نهاك عن
كل شيء يؤذيك
في الدنيا
والآخرة، فما
بالك تخالفه. وإن
كنت يا ولدي
تقنع بورقة
تزعم أنها
إجازة، فإنما
إجازتك حسن
سيرتك وإخلاص
سريرتك. وشرط
المجاز أن
يكون أبعد
الناس عن الآثام،
كثير القيام
والصيام
مواظباً على
ذكر الله
تعالى على
الدوام، فإن
العبد كلما
خدم قدمه سيده
علي بقية
العبيد فهذه
هي الإجازة الحقيقية
وأما إذا
ادعيت
المشيخة
وعصيت ربك قال
لك أف لك أما
تستحي، أي
دعواك القرب
منا، أين غسلك
أثوابك
المدنسة
لمجالستنا. كم توعي في بطنك
من الحرام، وكم تنقل أقدامك إلى الآثام، كم تنام وأحبابي قد صفوا الأقدام، أنت مدع
كذاب والسلام.
وكان رضي الله عنه يقول: الله خصم كل من شهر نفسه بطريقتنا ولم يقم
بحقها واستهزأ بنا.
وكان رضي الله عنه يقول: من خان لا كان، ومن لم يتعظ بكلامنا فلا يمشي
في ركابنا ولا يلم بنا ولا نحب من أولادنا إلا الشاطر المليح الشمائل وذلك يصلح
لوضع السر فيه.
فيا أولادي
ناشدتكم الله
تعالى لا
تسوءوا طريقي
ولا تلعبوا في
تحقيقي ولا
تدلسوا ولا
تلبسوا
وأخلصوا
تتخلصوا
فكلما
أحببناكم
واخترناكم
فلا تكدروا
علينا، ولا
ترموا طريقنا
بالكلام،
وكما وفينا
لكم حقكم في
التربية والنصح،
فوفوا لنا
بالاستماع
والاتعاظ،
وإنما أمرتكم
بما أمركم به
ربكم فهو أمر
الله لا أمري. فإن
نقضتم العهد فإنما هو عهد الله، وإن كنتم لا تأخذون منا إلا أوراقاً فلا حاجة لنا
بكم.
وكان رضي
الله عنه يقول:
بايعت الله
تعالى على أني
لا ألتمس
أموالكم ولا
آخذ تراثكم ولا
أدنس خرقتي
بما في
أيديكم،
فاسمعوا
وأطيعوا وعلى
أموالكم
الأمان مني،
ومن جماعتي
الذين أخلصوا
معي، وأسأل
الله تعالى أن
يلحق بقية
أولادي بمن
خلص معي،
ويجعلهم
مثلهم فيشفقون
على إخوانهم
وينصحونهم مع
تجنب أموالهم..
وكان رضي الله عنه يقول: من لم يزعم أن هلكته في طاعته فهو هالك، فإن
طاعتنا من جملة فضله وما لنا في الوسط شيء.
وكان يقول: يا ولدي احذر أن تقول أنافإن الله يعجز المدعين، ولو كنت
على عمل الثقلين هبطت، أو صاحب منزلة سقطت.
وكان يقول: والله
لو وجدنا إلى
الخلوة سبيلاً
أو وجدنا إلى
الانقطاع عن
أعين الناس من
سبيل لفعلنا
فإن القلب في
هذا الزمان
متعوب، والكبد
كل وقت يذوب،
فأين الملجأ
وأين المفر من
أهل هذا
الزمان، زمان
كثر فيه القال
والقيل، ولكن
الذي بلانا
بأهله يدبرنا
ويعيننا بحوله
وقوته. وكان
يقول: من غفل
عن مناقشة نفسه
تلف، وإن لم
يسارع إلى
المناقشة كشف...
وكان يقول: ما ابتلى الله عز وجل الفقير بأمر إلا وهو يريد أن يرقيه إلى منازل
الرجال، فإن صبر وكظم الغيظ وحلم وعفي وتكرم رقاه إلى الدرجات وإلا أوقفه وطرده،
وكان رضي الله عنه يقول: لا يعصى أحدكم ربه عز وجل ويمر على الهوام الضعيفة إلا
وتود أن الله تعالى يعطيها قوة لتبطش به غيرة على جناب الحق تعالى.
ولا يمر على
الطيور
والوحوش إلا
ويستعيذون بالله
تعالى من
رؤيته، ولا
يَرِدُ ماءً
إلا ويود أن
لا يشربه، ولا
يمر في الهواء
إلا ويود أن
لا يكون مرَّ
به. وكان يقول: كيف تطلبون أن الله تعالى ينبت لكم الزرع أو يدر لكم
الضرع، وأنتم تسلون السيوف على أحد من هذه الأمة المحمدية وتلطخون الحراب من
دمائهم.
وكان يقول: إذا صدق الفقير في الإقبال على الله تعالى انقلبت له
الأضداد، فعاد من كان يبغضه يحبه، ومن كان يقاطعه يواصله، ومن كان لا يشتهيه يثني
عليه، ولا يصير يكرهه إلا مجرم أو منافق.
وكان يقول: ما
قطع مريد
وِردَهُ
يوماً إلا قطع
الله عنه الإمداد
ذلك اليوم. واعلم
يا ولدي أن
طريقتنا هذه
طريقُ تحقيق
وتصديق وجهد
وعمل، وتنزه
وغض بصر
وطهارة يد وفرج
ولسان. فمن خالف شيئاً من أفعالها رفضته الطريق
طوعاً أو كرهاً.
وكان رضي الله عنه يقول: يا حامل القرآن لا تفرح بحمله، حتى تنظر هل
عملت به أملا فإن الله عز وجل يقول: {مثل الذين حمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها،
كمثل الحمار يحمل أسفاراً} ولا تخرج عن كونك حماراً إلا إن عملت بجميع ما فيه ولم
يكن منه حرف واحد يشهد عليك.
وكان يقول: يا
أولادي كم
غروركم لهوكم
لعب، كم غيُّ
كم هوً كم
افتراء كم
نكدكم غدركم
سهوكم نسيان،
كم غفلة كم
زلة كم اجرام
كم زوركم
فتوركم، وعظ
تسمعون ولا
تتعظون، ما
أنتم إلا
كالأموات. وكان
يقول: لو فتح
الحق عن
قلوبكم أقفال
السدد
لاطلعتم على
ما في القرآن
من العجائب
والحكم
والمعاني
والعلوم
واستغنيتم عن
النظر في
سواه، فإن فيه
جميع ما رُقم
في صفحات
الوجود. قال تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من
شيء} ومن فهمه الله تعالى في كتابه أعطاه تأويل كل حرف منه وما هو، وما معناه، وما
سبب كل حرف، وما صفة كل حرف، وعلم المكتوب من الحروف في العلوي والسفلي والعرش
والكرسي والسماء والماء والفلك والهواء والأرض والثرى.
السابق
|