الـقـواطـع
النفس المطمئنة
انتهى بنا الحديث فى العدد السابق عن النفس الملهمة، ونواصل الحديث اليوم حول النفس
المطمئنة وقد وصفها
الإمام
فخر الدين رضى الله عنه بوصف عجيب فقال فيها:
والمطمئنة فى عظيم فضولها |
|
هى فتنة تمشى على استحياء |
فعلامة الدخول فى هذا المقام
أنه
لا يفارق الأمر
التكليفى شبرا ولا يتلذذ
إلا
بالتخلق بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم،
ولا يطمئن
إلا
باتباع
أقواله
صلى الله عليه وسلم وهو مقام التمكين،
ففى هذا المقام يتلذذ للسالك أعين الناظرين وأسماع السامعين حتى
أنه
لو تكلم طول الدهر لا يمل كلامه لأن
لسانه يترجم عما ألقاه الله فى قلبه من حقائق الأشياء،
وظهرت له حقيقة عالم الملكوت،
وتبدأ خطورة هذه النفس بأنه
يأخذه شئ من الاطمئنان،
وقد ظهرت عليه خلع الوقار والقبول فيحبب
إلى
نفسه الاجتماع بالخلق ليفيض عليهم مما أنعم الله به عليه،
مع
أنه
مازال فى
أدنى
درجات الكمال،
ويكون عنده ميل لحب الكرامات،
وقد خفى عنه
أن
كل ما سوى الله فتنة،
مثله كمثل
رجل طلب حج بيت الله الحرام وسار مع الحجاج وقطع من الطريق أكثره،
فعرضت له امرأة حسناء لم ير الراؤون مثلها،
فأدهشته وأخذت عقله،
فأراد الإقامة
معها،
فقال حاج
له:
لا تقم هنا،
ما بقى
إلا
القليل فلا تقطع نفسك عنا،
ولكن
تعالى
معنا نزور بيت الله الحرام،
فإذا رجعنا نعقد عقدك عليها وتدخل معها بالحلال،
فغلب عليه هواه وانقطع عن رفقته،
فدنا منها وأزال البرقع عن وجهها فإذا هى
امرأة
عجوز مخلعة الأسنان
قبيحة المنظر،
فندم حيث لا ينفع الندم،
فهكذا
الدنيا والميل
إليها
وطلبها شئ قبيح، فاحذر
أن
تأتى
إليك
وتتزين لك،
وتأمل
قول الإمام
فخر الدين
رضى الله عنه
حين قال: (هى
فتنة تمشى على استحياء).
وفى
قصة سيدنا موسى
عليه السلام
عندما سقى الماء لبنات سيدنا شعيب،
وحول قوله تعالى {فجاءته
إحداهما
تمشى على استحياء}
قال البعض: أى
أتت
إليه
الدنيا فى أبهى صورها فتمثلت لسيدنا موسى عندما سارت أمامه وهبت الريح
لتظهر
له
معالم الفتنة،
فقال لها سيرى خلفى،
فرفضها فى حينها
ولم يتردد لعلمه بخطورة هذا الأمر،
فلما سارت خلفه ملكها لأنها
لو كانت أمامه لفتنته ولكنه أبى
إلا
أن يكون أمامه الحق ولا غير الحق.
وانظر
إلى سيدنا يوسف عليه السلام حين
تجلت
له
الدنيا فى أبهى صورها فى صورة السيدة زليخة
رضى الله عنها
وقالت له
{هيت
لك}
فقال
عليه السلام {معاذ
الله}
فرفضها أيضا وجعلها خلف ظهره،
ثم بعد ذلك ملكها أيضا.
واعلم
أنه
يُعرض
عليك فى هذا المقام حب الرئاسة
والشهرة
والتعرض للمشيخة وحب
الإرشاد
ليجتمع عليك الناس،
وكل هذه دسائس من النفس لأنك
مازلت فى أدنى مراتب الكمال،
فلا تتطمئن
إلى تلك النفس وإن كانت (مطمئنة) حتى
تنتقل الى المقام الخامس والذى يسمى بالنفس الراضية.
عصام مقبول / محمد رشاد
بالحقائق
ناطقين
تسألنا عن تصوفنا أو تصوفكم
الشيخ
أبو العباس أحمد بن أبى الحسن على الرفاعى نسبة
إلى رفاعة،
أوحد وقته حالا وصلاحا،
الشافعى المذهب،
أصله من المغرب، وسكن البطائح،
والبطائح قرى مجتمعة فى وسط الماء، بين واسط والبصرة، مشهورة بالعراق،
وعاش
بقرية يقال لها أم عبيدة،
وانضم
إليه
خلق عظيم من الفقراء، وأحسنوا الاعتقاد فيه.
من كلامه
رضى الله عنه:
من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه،
والأنس بالخلق انقطاع عن الحق،
ومن كلامه
قبل موته: أنا شيخ من لا شيخ له، أنا شيخ المنقطعين.
وذات
مرة
سئل: لماذا
تحجب
إجابة الدعوة؟ فقال: لقلة الحلال،
وسئل عن الفتوّة
فقال: هى الصفح عن عثرات الإخوان،
ألا ترى لنفسك فضلا على غيرك،
وسئل عن التصوف فقال
للسائل:
تسألنا عن تصوفنا أو تصوفكم؟ فقال: يا سيدى
كانت مسألة فصارت اثنتين،
اشرحهما،
فقال: أما تصوفكم أنتم فهو أن تصفى أسرارك وتطيب أخبارك وتطيع جبارك وتقوم ليلك
وتصوم نهارك.
وأما تصوف القوم، فكما قيل:
من قال هذا قد مرق
حرق يمازجها قلق |
|
ليس التصوف بالخرق
إن التصوف يا فتى |
هادية الشلالى
من نحب ونرضى
من شمائله
إلى الحبيب ابن الحبيب أبو الحبيب إلى عطاء الله إلى المصطفى من السيد البرهانى إلى
صاحب الحمى .. إلى الأب الذى تعجز أى كلمات عن ذكر خصائصه ومعانيه .. إلى الإمام
ابن الإمام أبو الإمام .. إلى مولانا الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى
رضى الله عنهم أجمعين .. وصدق الله العظيم حيث يقول فى كتابه العزيز
{ولقد
آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين}
..
فهو
رضى الله عنه
وصيه وابنه
وخليفته وكان نشر الهدى فى الأرض على يديه وليس هناك قول يقال عنه أبدع مما قاله
الإمام فخر الدين رضى الله عنه فى حقه حينما قال:
قد إصطفيناه من صافى عطيتنا
ويحمل الكل ممدودا بهمـتنـا
بلا جفاء لمن يسعى بذمـتـنا |
|
وذا بنى الذى تمت عطيتــه
ليجمع الشمل إمدادا ومرحمـة
ويصبح الكل حشدا تحت رايته |
وعن وراثته قال رضى الله عنه:
على الأيام ممن قد وصلت |
|
فإبراهيم عندى من يرثنى |
وفى موطن آخر:
أو ليس هذا سيد من أسود |
|
لكن إبراهيم حقا وارث |
ولا هناك قول عن حقيقته مثل ما قيل:
إذا طلبوا صفحا فلا شك صافح |
|
فإنى وإبراهيم فى الأصل واحد |
وعن تمام رشده قال رضى الله عنه:
فما هو إلا فلذتى وعطيتى |
|
وآتيت إبراهيم من قبل رشده |
وفى موطن آخر:
بها أكمل المولى جزيل العطية |
|
وما رشد إبراهيم إلا تتمة |
وعن إمامته قال رضى الله عنه:
يكناه الأئمة قد رمزت |
|
إمام فى كتاب الله رمز |
وعن مبايعته قال رضى الله عنه:
بأن أبا العينين يجلو بخلوتى |
|
يبايع إبراهيم من كان واثقا |
وإذا أردنا الكلام عن السر الذى بينه وبينه
فلا أعظم من:
وكل نجاة كتم سر النجية |
|
ووصيت إبراهيم أنى اصطفيته |
وفى موطن آخر:
أورثته سرا عليه لثامى |
|
فهو الحبيب ولا يخيب رجاؤه |
وعن علو شأنه قال رضى الله عنه:
أعطيت إبراهيم وهو عطيتى |
|
هلا عرفتم بعض قدر للذى |
وعن طاعته قال رضى الله عنه:
كمال عطائى بل نجاح المقاصد |
|
فطاعة إبراهيم إن رمتم الهدى |
وعن حلمه وعفوه قال رضى الله عنه:
ولكنه غيب لديه المفاتح |
|
وربك إبراهيم للذنب غافرا |
وعن كماله قال رضى الله عنه:
أيها الناس جاءكم إبراهيم |
|
من كمال العطاء من فيض وهب |
وعن حماه قال رضى الله عنه:
هو مجتبى حتى يقوم مقامى |
|
ما غير إبراهيم عبد ذو حمى |
وكأن الشيخ رضى الله عنه يريد ألا يثنى على خليفته أحدا غيره، وغاية القول فيه أننا
لا نستطيع أن نقول إلا أنه هو القطب الفرد الجامع الكبير مولانا الشيخ إبراهيم
الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه الذى أرسى أركان البناء لكى يرتفع
فكان حرصه أن ينتصر الحق وشغله الشاغل توحيد الكلمة ونشر مبادئ الطريقة فجال فى
الأمصار يبذر بذور المحبة والهداية فاتسعت رقعة الطريقة حتى عمت المشرق والمغرب كما
قال رضى الله عنه:
بذرت بأقطار الأعاجم حنطتى
فصارت بفضل الله من أهل وحدتى |
|
وجبت بلاد الله شرقا ومغربا
دخلت قلوبا لم تر الله خالقا |
أحمد خليل |